ایکنا

IQNA

المكذبون بالدين وعجائب العرب والمسلمين

22:34 - September 26, 2025
رمز الخبر: 3501765
بيروت ـ إکنا:  نلاحظ أن القرآن الكريم في حديثه عن المكذبين بالدين لا يجمل الكلام عن أوصافهم، بل يفصّل فيه إلى حد تخصيصه في كثير من الآيات، تماماً كما في حديثه عن المنافقين، فالكافر ظاهر في كفره! أما المنافق والمكذّب، فغالبًا ما يتخفى هؤلاء بالدين وبأنواع العبادات.

 نلاحظ أن القرآن الكريم في حديثه عن المكذبين بالدين لا يجمل الكلام عن أوصافهم، بل يفصّل فيه إلى حد تخصيصه في كثير من الآيات، تماماً كما في حديثه عن المنافقين، فالكافر ظاهر في كفره! أما المنافق والمكذّب، فغالبًا ما يتخفى هؤلاء بالدين وبأنواع العبادات، ونقصد بالدين هنا المعنى الأعم، بما هو طريقة ومنهج في التعبير والسلوك على نحو ما يفعل أهل الملل والنحل في التعبير عن انتماءاتهم الدينية!

وبما أن الدين في منهج القرآن يعنى به حالات الانقياد والطاعة والتسليم لله تعالى، فإن ذلك يتجاوز العادات والطرق المتبعة في حياة الناس، ليكون الدين إيمانًا والتزامًا وتصديقًا لله تعالى في كل ما أمر به ونهى عنه، ولهذا نجد القرآن يتحدث عن التكذيب بالدين في سورة الماعون، فيقول تعالى:"أرأيت الذي يكذّب بالدين"، على قاعدة أن الدين، هو عبارة عن منهج إيماني، ومسار تعبيري يبدأ من روحية الإنسان ولا ينتهي في الدنيا، بل يكون له بعده الأخروي في كل ما يؤديه الإنسان من أعمال ووظائف، سواء كانت عبادية، أو غير عبادية. 

إقرأ أيضاً:


فالتكذيب بالدين يعنونه القرآن الكريم بكثير من الأعمال الدنيوية، ويحاول البشر التلاعب بأعمالهم وفي كثير من نواياهم لأجل إظهار المعنى الديني بما يتناسب مع معتقداتهم؛ ولكن القرآن يبيّن المواصفات والخصائص التي لا يمكن التلاعب بها في سياق ما يختاره الناس، وخصوصًا أولئك الذين اختاروا الانتماء إلى هذا الدين، ونعنى بهم العرب والمسلمين، فهؤلاء حينما يتحدثون عن الدين، بما هو طاعة ومنهج وجزاء في الآخرة، لا يسعهم إلا التحقق بالدين بكل معانيه القرآنية، وليس النظر إليه والعمل به على أنه مجرد كلام تجريدي!، وذلك لما تفيده آيات ملكية يوم الدين الذي هو لله وحده، فما بال العرب والمسلمين لا يكترثون للدين بما هو خاتمة مسار إيماني تتجلى فيه كل الآثار والأعمال في يوم تتحدّد فيه المصائر، وتبلى فيه السرائر!فهل سمع العرب والمسلمون بما وصّف به المكذّبون بالدين؟ 

لقد بين الله تعالى أوصاف هؤلاء في سورة الماعون، فقال تعالى:"فذلك الذي يدعُّ اليتيم، ولا يحضّ على طعام المسكين، فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون، ويمنعون الماعون".فهذا هو المختصر المفيد في أوصاف المكذبين بالدين، فحيث يكثر الأيتام والمساكين ولا يقام بشؤونهم، وحيث يتم تجاوز الصلاة في السهو عنها، وذلك لما يعنيه الفرق بين السهو فيها والسهو عنها؛ فلا يكون الدين، سواء في البداية، أو في النهاية، حقيقة إيمانية قائمة،فإذا صح من العرب والمسلمين السلوك ، وجاء النداء للصلاة على وجهه، وفي وقته، فذلك لا يكون دليلًا على صحة الدين، فكيف إن كل ذلك يأتي بالمراءاة، أو بالمصانعة، والمداهنة؟

إن من علامات التكذيب بالدين، وعدم التحسّب ليوم المجازاة، هو الامتناع عن قصد، أو عن غير قصد، عن سماع دعوة المظلومين، الذين يتعرضون للأذى على مسمع ومرأى ممن يؤدون الصلاة ولا يستمعون لدعواتهم؛فهذا هو تمام السهو عن الصلاة، بل هو عين التكذيب بالدين!فإذا كان العرب والمسلمون يؤمنون بالله واليوم الآخر؛فما يكون معنى الإيمان، والتصديق بيوم الجزاء، إن لم تكن لليتامى والمساكين دعوة مستجابة، أو نصرة قائمة؟فهل يرى المسلمون أن الله يُخدع عن جنته؟ أم أنهم يرون لأنفسهم ما لا يرونه لإخوانهم في الدين؟ وهل الصلاة وعدم السهو عنها، غير ذلك الالتزام بالنصرة لأهل الدين؟

ألم نسمع بقول الله تعالى:"وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون".ألا نرى كيف أن الآية المباركة جاءت بفعل الصنع، لإفادة حقيقة الوعي والعمل بالصلاة بما يفيد حقيقة الموقف من تأدية الصلاة! فالعجب كل العجب ممن يرى الأيتام والمساكين يموتون جوعًا وعطشًا، ويسألون الحاجات، ولا يستجاب لهم، ثم ندّعي الإيمان بالله تعالى!

لقد علمتم أيها العرب والمسلمون، أن قسوة القلوب، هي من علامات جهنم في دنياكم، وقد قال تعالى في وصف الذين لا يؤمنون بالآخرة، أن قلوبهم منكرة، وهم مستكبرون! فما تكون فائدةعبادات الدين إن لم يكن من مؤداها النصرة لأهل الحق، والدفاع عن المظلومين؟وكما قلنا في مقالتنا السابقة، إن الله جعل عدم الحضّ على طعام المساكين قرينًا للكفر، وقد جلعه في سورة الماعون دليلًا على التكذيب بالدين، فليبادر الأعراب إلى حقيقة دينهم قبل أن يؤخذوا بسلاسل العذاب!وكما قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ،ولتنظر نفسٌ ما قدَّمت لغدٍ ، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
 
بقلم أ.د فرح موسى؛ رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان
captcha