
سمعنا للتو أن هناك كتاباً تم توجيهه إلى اللبنانيين،دولةً وشعباً،تُظهر فقراته تخوّفاً من ما يطرحه البعض من مخارج وحلول لإخراج لبنان من النفق المظلم! وقد تضمن الكتاب دعوةً إلى الاعتبار من تاريخ الأحداث اللبنانية في أزمنة الانتصار والهزيمة معاً، بدءًا من الاجتياح الإسرائيلي في الثمانينات، وانتهاءً بحرب الإسناد وما نتج عنها من أحداث وتحولات، إذ نرى مجموعةً من أهل السياسة والإعلام لا تزال تردد من حين لآخر البناء على الهزيمة لإعطاء لبنان بُعدًا جديدًا سواء في السياسة أو في التحول الاستراتيجي بحيث يخرج لبنان نهائياً من محور الممانعة والمقاومة، ليكون وديعة سلام مشؤوم لدى المتربصين به شراً!
فيا لها من أكذوبة يراد لها أن تعاش كحقيقة في السياسة، وقبل ذلك في التنوع اللبناني!؟ فإذا كان الكتاب المفتوح يحذّر من التفاوض السلبي، بناءً على معطيات التاريخ والجغرافيا، فإن أهل السياسة والسلطة في لبنان لا يغيب عنهم إطلاقًا ما يعنيه التفاوض من موت وسلبية!،وخصوصًا في ظل ما نعايشه من خلل في ميزان القوة، وهذا ما عقّب عليه الإمام موسى الصدر ذات يوم بقوله:"السلام من دون قوة في عالم السباع، هو ذل واستسلام"، فليعلن بصراحة دعاة التفاوض أنهم يريدون ذلك!
إقرأ أيضاً:
فالعدو،كما نعرف جميعاً لن يكتفي بالهيمنة واحتلال الأرض، بل هو يطمح إلى تدمير الأنموذج اللبناني في التنوع والعيش المشترك، وهناك مَن يعي هذه الحقيقة،ويزعم أن فرج لبنان إنما يكون بالسلام مع العدو!
لقد جاء الكتاب المفتوح موضحًا وكاشفًا عن خيار المقاومة، وما تكفله كل الشرائع لجهة حق كل مواطن في الدفاع عن نفسه وأرضه.
فالكتاب لا يعني إطلاقًا في بعض بنوده وفقراته حسم خيار السلم والحرب لدى الدولة،طالما أن العدو لم يخرج من الأرض،ويقوم بالقتل والتدمير، فهذا مما يحتاج إلى مزيد من المقاومة والصمود،ويبقى على الدولة تبنى هذا الخيار الشعبي إن كانت دولة ذات سيادة ولها حق الدفاع عن مواطنيها!
فالدولة ليست مجرد سلطة تفاوض، أو تشتكي، أو تكتفي بإدانة العدوان عليها! وقد خرج أحد أقطاب هذه الدولة، ليذكّر الشعب اللبناني بأنه يملك خيار السلم والحرب،وليس لأحد سواه التحدّث عن هذا الأمر،فضلًا عن التعبير عنه!
لقد كشف الكتاب المفتوح عن وجهة خاطئة في المخاطبة،إذ ظهر أهله وكأنهم يخاطبون أنفسهم في ضرورة رفض التفاوض،والحذر من مكائد العدو ،وكل الذين يدعمونه بمعزوفة حصر السلاح! فالكتاب في ما تضمنه من حق مشروع في الدفاع عن النفس،سبق للإمام موسى الصدر أن توجّه به إلى أسلاف هؤلاء منذ ستين سنة،ولم تكن له أدنى فائدة!
فكان شعب الجنوب وأهله يتعرضون للعدوان،والدولة تفاوض على حقها من دون أن تتمكن من حماية نفسها من العدو،وقد خاطب الإمام شرف الدين هذه الدولة ذات يوم، قائلًا:"إن لم تكونوا قادرين على الحماية ألا يمكنكم الرعاية والاهتمام بشعبكم لمساعدته على الصمود في وجه العدوان!.".
فالكتاب المفتوح اليوم يعود بنا إلى ظلامية النفق القديم،الذي عجزت الدولة عن إخراج نفسها منه،ما يؤكد لنا ضرورة إعداد الشعب مجددًا للدفاع عن نفسه،فإذا كانت الدولة لا تملك خيارات التفاوض وفق مصالحها،فما تكون حاجتها إلى الدبلوماسية والسياسة؟
وهل أثبتت هذه الطريقة جدواها في تحرير الأرض وحماية السيادة؟ماذا نقول عن دولة مرّ على شعبها عقودٌ من الزمن،وهو يرى بأم عينه طائرات العدو لا تغادر سماء لبنان!،ولا تزال الدبلوماسية على حالها من الضعف والهوان وقلة الشأن والحال!
فإذا كان الكتاب المفتوح يوحي بمزيد من الاستعداد للحرب والدفاع عن النفس،فليس أمام الشعب اللبناني إلا أن يتعقّل معنى ومضامين الكتاب،ليبنّي عليها في ما ستجود به الأيام من أحداث،فأي خيار لبناني غير خيار القوة،لن يجدي نفعًا طالما أن العدو يكشف عن أهدافه في تجريد لبنان من عناصر قوته! فلتكن عزائم السياسة في فوّهات البنادق،اعتبارًا بتجارب لبنان الناصعة في تحرير الأرض،وحماية الكيان اللبناني من الزوال.
فالعدو استوعب رسالة الكتاب المفتوح، وأيقن أن هناك شعوبًا لا تموت لمجرد أنه يُعتدى عليها، فهو يائسٌ من لبنان وشعبه، وواعٍ لحقيقة ما ينتظره من موت على تراب الجنوب.
بقلم أ.د.فرح موسى؛ رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان