ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ رَكِبَ الْأَهْوالَ اكْتَسَبَ الْأَمْوالَ

22:19 - November 14, 2025
رمز الخبر: 3502422
بيروت ـ إکنا: إنّ الخوف أمرٌ طبيعي، بل ضروري لحماية الإنسان، لكنه لا يجوز أن يتحوّل إلى عائقٍ يكبح طموحه ويعيق حركته. أمّا العزم فهو وحده الذي يحوّل الخطر إلى فرصة، والمشقّة إلى مكسب.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ رَكِبَ الْأَهْوالَ اكْتَسَبَ الْأَمْوالَ".
 
في زمنٍ ينحو فيه الناس نحو الراحة والدَّعة، ويتجنبون الأعمال الشاقة والمُتعِبة، ويَرغَبون في جني المال بطرائق سريعة وغير مُكلِفة، تبرز هذه المعادلة المهمّة والمُلهمة التي تقوم على الربط بين الإقدام والمخاطرة (ركوب الأهوال)، وبين النجاح وتحقيق الآمال (اكتساب الأموال). إنّها معادلةٌ تُخاطب روح الإنسان التي لا ترضى بالركون إلى المألوف، بل تتجاوز حدود الخوف لتصنع واقعاً جديداً؛ فكما لا تكون ثمرةٌ بلا بذر، ولا مكسبٌ بلا مجازفة، ولا مجدٌ بلا مغامرة، كذلك لا يكون الثراء دون ركوب الأهوال والإقدام ومواجهة المخاطر.

والأهوال هي ذلك الخطر الوجودي الذي يرتجف له الفؤاد، ويتردد أمامه العقل طويلاً قبل أن يقرر اقتحامه. والمال هنا لا يقتصر على المال المتعارف، من ورقيٍّ أو إلكترونيّ، بل يتجاوز ذلك ليكون رأس مال الحياة بمعناه الواسع: علماً، وخبرةً، ومكانةً، ونضجاً، وربحاً مادياً كان أم معنوياً.
 
هذه المعادلة قائمةٌ على قانون عظيم وهو قانون السعي أشار القرآن الكريم إليه: في قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴿النجم: 39﴾ أي أنّ الإنسان لا ينال شيئاً إلا بالسعي إليه، سواء كان ذلك السعي عملاً بدنياً، أو جهداً فكرياً، أو طلباً للعلم والمعرفة. وهذا يعني أن يعيش الإنسان حياته مكابداً كادحاً أبداً؛ فالراحة المطلقة مستحيلة، وهي ضربٌ من الجمود، والجمود لا حياة فيه، أمّا الحركة فحياة، وأفضل الحركات ما كان تجاوزاً وتخطّياً للقيود والمخاوف التي تُكبّل الإنسان. ومواجهة الأهوال شرطٌ للنجاح، والبوابةُ التي إذا تجاوزها المرء انفتحت أمامه عوالم مليئة بالفرص.
 
ومما لا شك فيه أنّ مواجهة المخاطر وركوب الأهوال والمصاعب — التي تدعو إليها المعادلة آنفة الذكر — لا تعني أبداً التهوّر أو الخطوات غير المحسوبة، ولا العمل كيفما اتفق، بل تعني الشجاعة الحكيمة، والمغامرة المبنية على الوعي، والفهم العميق للواقع والزمن، والتخطيط الدقيق، وتهيئة ما يمكن تهيئته من أسباب ووسائل، والمبادرة حين تلوح الفرصة، وعدم الخوف من الإقدام على ما يراه الإنسان مصلحةً له؛ لأنّ الخوف هو الذي يكبّله ويقعد به عن المبادرة والفعل، ويفضي به إلى الفشل.
 
ونحن — في غنى عن الإطالة — نرى نماذج لا تُحصى تشهد لما تقدّم؛ فمجرد الاطلاع على تجارب الناجحين في عالم الاقتصاد والمال والصناعة والتجارة، وسائر الميادين، يكفي لندرك أنهم لم ينجحوا بسهولة، بل واجهوا مخاطر جمّة، وتخطّوا صعاباً كثيرة، وصبروا على متاعب طويلة. والإنسان الذي يهاجر من وطنه إلى بلاد غريبة بعيدة، ويواجه الغربة ويقاسي متاعبها وآلامها، لو لم يُقدِم على ذلك لما أمكنه أن يحقق ما حقّقه. ولا يقتصر الأمر على هذا؛ ففي ميادين العلم، لو لم يغامر العلماء بتحدّي المألوف، لما اكتشفوا القوانين، ولما أحدثوا تلك القفزات العلمية الكبرى.
 
إنّ الخوف أمرٌ طبيعي، بل ضروري لحماية الإنسان، لكنه لا يجوز أن يتحوّل إلى عائقٍ يكبح طموحه ويعيق حركته. أمّا العزم فهو وحده الذي يحوّل الخطر إلى فرصة، والمشقّة إلى مكسب. لذلك ينبغي أن نقيس المخاطر بعقولنا، لا بعواطفنا ومشاعرنا، وأن نملك الجرأة على اتخاذ الخطوة الأولى ولو كانت الصعوبات متوقعة، وأن نحوّل الخوف إلى دافع يدفعنا إلى إتقان العمل والتخطيط الجاد، من غير أن ننتظر الأمان الكامل؛ فالأمان الكامل وهمٌ لا يتحقق في أي مجال، إذ الحياة بطبيعتها مخاطرةٌ ومغامرة.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha