ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ زَرَعَ خَيراً حَصَدَ أَجْراً

2:04 - October 15, 2025
رمز الخبر: 3502018
بيروت ـ إکنا: كل عمل يعمله الإنسان صغيراً كان أم كبيراً، خيرا كان أم شراً له جزاؤه الملائم له والمتجانس معه، ويرى نتائجه في الدنيا وفي الآخرة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ زَرَعَ خَيراً حَصَدَ أَجْراً".

هذه واحدة من سُنَنِ الله المطردة الجارية في عالم الجزاء والمكافأة، كل عمل قَلَّ أو كَثُر له جزاؤه في الدنيا وفي الآخرة، إن كان خيراً فجزاؤه خير، وإن كان شراً فجزاؤه شر، وهذا الجزاء تارة نتصوره منفصلاً عن العمل، مثل أن يُصلح الميكانيكي أعطال سيارتي، فأعطيه على ذلك أجراً مالياً، وتارة يكون متصلاً بالعمل ومُتَوَلِّداً منه مثل أن أُصَلِّي الصلاة الواجبة أو المستحبَّة فتُنتِج الصلاة آثاراها المعنوية والروحية في الدنيا استقامة في سلوكي، وراحة في نفسي، ورِضاً من الله، وجَنَّة وارفة الظلال يانعة الثمار في الآخرة، ومثل أن أشهد للحق فيأتي الجزاء كرامة في الدنيا وفي الآخرة، فالعمل والجزاء هنا شبيهان جداً بما يزرعه الإنسان، إن زرع قمحاً حصد قمحاً، وإن زرع شعيراً حصد شعيراً، فكما أن الحصاد من سنخ البذر ومتولّدٌ عنه، فكذلك الجزاء من سنخ العمل ومتولّدٌ عنه.
 
ولقد أكَّد القرآن الكريم هذا المبدأ في مواضع شتّى، فقال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿الزِّلزِلَة:8﴾. فكل عمل يعمله الإنسان صغيراً كان أم كبيراً، خيرا كان أم شراً له جزاؤه الملائم له والمتجانس معه، ويرى نتائجه في الدنيا وفي الآخرة، وقد طرح جمع من العلماء في هذا الشأن نظرية (تجسُّم الأعمال) في الآخرة، ومرادهم منها: أن العمل الدنيوي هو ذاته يتجسَّم في الآخرة نعيماً أو جحيماً، فالكلمة الطيِّبة تتجسَّم شجرة وارفة الظلال في الآخرة، والكلمة الخبيثة تتجسَّم ناراً مستعرة في الآخرة.

إقرأ أيضاً:

ومثله قوله تعالى: ... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿34﴾ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴿التوبة: 35﴾. ففي الآية الرابعة والثلاثين يتوَّعد الله بالعذاب الذين يكنزون المال ولا ينفقون منه في سبيل الله، ثم يبين شكل العذاب في الآية الخامسة والثلاثين أنه يتجسَّم ناراً في جهنم تُكوى بها جِباههم وجُنوبهم وظُهورهم.
 
إذن، الخير لا يضيع، ولو كان صغيراً بقدر الذرّة، بل سيُثمر عاجلاً أو آجلاً، وكما أنّ الفلاح إذا بذر البذور في الأرض ينتظر موسم حصادها، فإنّ المؤمن إذا بذر أفعال الخير ينتظر الأجر عند الله، وقد يتجلّى ذلك الأجر في صورة سكينة في القلب، أو بركة في العمر، أو دعاء مستجاب، أو أجرٍ أخروي لا يفنى.
 
ولذلك قال رسول الله (ص): "مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بِهَا إِلَى يَومِ القِيَامَة"، وهذا يوضِح كيف أنّ بذرة واحدة من المعروف، تنمو وتنمو، وتزيد، ويستمر ثمرها، حتى تتحوَّل إلى بستان واسع فسيح، غزير الثمر، دائم العطاء. 
 
أما الإمام الصادق (ع) فيقول: "صَنَائِعُ المَعْروفِ تَدْفَعُ مَصَارِعَ السُّوءِ"، مِمّا يَؤَكِّد أنّ الخير لا يعود على الإنسان بالأجر الأخروي فقط، بل يحفظه في دنياه أيضاً من البلاء والمكروه.
 
فقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ زَرَعَ خَيراً حَصَدَ أَجْراً" يؤكِّد أن جزاء الخير وأجره لا يقتصر على الآخرة، بل يفوز به فاعله في الدنيا خيراً، فإنَّ فعله الخير يساهم في تشكيل العالم من حوله، فالذي يزرعه في مجتمعه فإنه يشارك في صناعة مجتمع يقوم على الخير، والذي يقول الكلمة الطَّيِّبة فإنه يصنع مجتمعا طَيِّباً، فيعيش هو والمجتمع الحياة الطَّيِّبة الهانئة الوادعة الرغيدة.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha