ایکنا

IQNA

جواهر علوية...

مَنْ قالَ ما لا يَنْبَغي سَمِعَ ما لا يَشْتَهي

23:55 - October 19, 2025
رمز الخبر: 3502080
بيروت ـ إکنا: إنّ الإنسان لا يعيش في عزلةٍ عن الناس، بل يتنفّس في فضاءٍ من التفاعل الدائم معهم. وفي هذا الفضاء للكلمة وقعُ السهم أو البلسم؛ فإن كانت طيّبةً كريمةً دخلت القلبَ دون استئذان، وكانت بلسماً ودواءً، وإن كانت خبيثةً قاسيةً كانت خنجراً يطعن الفؤاد، وعلقماً تأنفُه النفسُ الكريمة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ قالَ ما لا يَنْبَغي سَمِعَ ما لا يَشْتَهي".
 
لأنّ الكلام هو مرآةُ عقلِ الإنسان، ومقياسُ رُقيِّه أو سقوطه، ولأنّ صورةَ الرجلِ في منطقه، ولأنّ اللسانَ ميزانُ الإنسان، ولأنّه يُستَدَلّ على عقلِ المرء بما يجري على لسانه، ولأنّ اللسانَ ترجمانُ العقل، ولأنّ المرءَ مخبوءٌ تحت لسانه، ولأنّ مَن ساء لفظُه ساء حظُّه، وكثُر لومُه، ولأنّ مَن عذُب لسانُه زَكا عقلُه، ولأنّه بالكلام تبيضّ الوجوه، وبالكلام تسودّ الوجوه، كما جاء في الروايات الشريفة.
 
من كلّ ما سبق ندركُ معنى المعادلة التي يُنبّهنا إليها الإمامُ أميرُ المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ قالَ ما لا يَنْبَغي سَمِعَ ما لا يَشْتَهي"، إذ تُنبّهنا إلى أثر الكلمة في صياغة العلاقات الاجتماعية، وتأثيرها الكبير فيها، وفي تحديد شكل الردود التي نتلقّاها من الآخرين.

إنّ الإنسان لا يعيش في عزلةٍ عن الناس، بل يتنفّس في فضاءٍ من التفاعل الدائم معهم. وفي هذا الفضاء للكلمة وقعُ السهم أو البلسم؛ فإن كانت طيّبةً كريمةً دخلت القلبَ دون استئذان، وكانت بلسماً ودواءً، وإن كانت خبيثةً قاسيةً كانت خنجراً يطعن الفؤاد، وعلقماً تأنفُه النفسُ الكريمة.
 
وقد نبَّهنا الله تعالى إلى ذلك بقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿25﴾ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴿إبراهيم: 26﴾.
 
إنّ الله تعالى، وهو يُنبّهنا إلى قيمة الكلمة الطيّبة وسوء الكلمة الخبيثة، وإلى أثر كلٍّ منهما، يضرب لنا مثلاً حِسّيّاً بديعاً:
 
فالكلمةُ الطيّبة كالشجرةِ الطيّبة، أصلُها ثابتٌ في الأرض، راسخٌ بجذورها العميقة الممتدّة، لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها الرياح الهوجاء، وظلالُها وارفة، وإثمارُها متواصلٌ متجدّدٌ لا ينتهي في فصل، بل يمتدّ على مدى الفصول كلّها، وثمارُها يانعةٌ لذيذةٌ تستطيبُها النفوس.
 
أمّا الكلمةُ الخبيثةُ، فكالشجرةِ الخبيثةِ المرّةِ السامّةِ المنتنة، قد تهيجُ وتتعالى وتتشابكُ، وقد يُخيَّلُ إلى بعضِ الناس أنّها أضخمُ من الشجرةِ الطيّبة وأقوى، ولكنّها في حقيقة الأمر هشّةٌ، عُرضةٌ للسقوط، جذورُها غيرُ ثابتةٍ ولا راسخة، وهي فضلاً عن ذلك مُرّةُ المذاق، سامّةُ العناصر.
 
إنّ الذي يُطلِق لسانَه بما لا يَنبغي من القول، سواء أكان أصلُ القول حراماً وغيرَ أخلاقيٍّ – كما لو كان سباباً أو سخريةً أو كذباً أو باطلاً – أو كان غيرَ مناسبٍ للقائل أو للسامع، كما لو كان لغواً أو ثرثرةً، فعليه أن يستعدّ لردِّ فعلِ السامع والمتلقّي، فسيكون الردُّ جارحاً، والموقفُ قاسياً.
 
الكلمةُ ليست حدثاً عابراً، بل هي علاقةٌ متبادلة بين قائلٍ وسامعٍ. فإنْ لم يُراعِ قائلُها المقامَ والزمانَ والظرفَ الذي هو أو السامعُ فيه، فلا بُدّ أن تُولِّدَ ردَّ فعلٍ غاضبٍ أو مُستنكِر، وقد تُولِّدُ نفوراً وعداوة.
 
الكلمةُ مسؤوليّةٌ، وكلّ حرفٍ يخرج من الفم إمّا أن يُبنى به جسرٌ يتواصل به القائلُ مع السامع، أو يُنصَبَ به جدارٌ سميكٌ يحول بينه وبين قلب السامع.

لذلك فإنّ الحكيمَ من الناس هو الذي يزنُ كلماتِه بميزانٍ دقيق، ويتحكّم عقلُه بلسانه، ويتدبّر عواقبَ قوله قبل النطق به، فلا ينطق إلا بما هو طيّبٌ من القول، ولا يتكلّم إلا بما يُعمّق الصلةَ بينه وبين السامع، ويُحيي فيه الخيرَ والصلاحَ والمحبّةَ والمودّة.

أمّا الجاهلُ من الناس فهو الذي يترك لسانَه على غاربه، عارياً من الضوابط، يقول القولَ على عواهنِه، فيجلب على نفسه الإهانةَ والازدراء.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha