
وأشار الى ذلك، رئيس مؤسسة "الإسراء" الدولية للعلوم الوحيانية في إیران "حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مرتضى جوادي آملي" في الكلمة التي ألقاها أمس الأحد 16 نوفمبر الجاري في حفل تكريم العلامة الطباطبائي بمدينة "تبريز"(شمال غرب إیران)، مبيناً أن "الحضور في مجلس أُقيم باسم وذكرى العلامة الطباطبائي يعني إبداء الاحترام لأحد أركان الفكر الإسلامي وحماة الحدود المعرفية في مجال العلوم العقلية".
وأضاف أن "سعة الصدر العلمية كانت من خصائص العلامة الطباطبائي؛ فقد كان يمتلك اتساعاً يجعله لا يقبل أو يرفض أي فكرة دون دراسة، هذه الصفة جعلت الحوزة العلمية في قم تنتقل من الأجواء المحدودة للبحوث النقليّة فقط إلى مجالات الفلسفة وتفسير القرآن والمعارف والعقلانية الوحيانية".
إقرأ أيضاً:
وأشار هذا الأستاذ في الحوزة والجامعة، قائلاً: "في بعض مراتب المعرفة، ليست المسألة فهماً حصولياً، بل هي تلقٍّ مباشر للحقيقة، فـ الرسول الأعظم (ص) لم "يفهم" القرآن في المرتبة الأولى، بل "تلقّى حقيقته"."
وأضاف: "الفهم والمعرفة الحصولية هما وسيلتان للتعليم والشرح للآخرين، أما في مرتبة التلقي الأولي، فالحقيقة "فوق اللغة" و"فوق المفهوم"."
وأردف قائلاً: "من السمات المهمة الأخرى للعلامة هي سعة صدره العلمي؛ وهي السعة التي جعلته لا يقبل أو يرفض أي فكرة دون تمحيص."
واستطرد حجة الإسلام جوادي آملي، قائلاً: "إن مؤلفات العلامة الطباطبائي، ومنها "الميزان في تفسير القرآن"، هي ثمرة هذه العقلانية الوحيانية"، مضيفاً أن "(الميزان) ليس تفسيراً عادياً، بل هو ميدان يجتمع فيه العقل الفلسفي، والشهود العرفاني، والفهم الدقيق لنص القرآن، جميعها جنباً إلى جنب، ولو كان هذا الأثر قد كُتب بمستوى أدنى أو بالاعتماد على العقل الإنساني الناقص، لواجه بلا شك موجة من الإشكالات."
وأوضح رئيس مؤسسة "الإسراء" الدولية أن أحد الأمثلة البارزة على المنهج العقلاني للعلامة الطباطبائي هو تفسير الآية "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" في نهاية سورة يس بحيث قد رفض العلامة التفسير الظاهري الذي ينسب لله نوعاً من "القول اللفظي"، مؤكداً أن "كن فيكون" هو تمثيل لتقرير حقيقة متعالية، وأن الأمر الإلهي حقيقة تتجاوز نطاق الألفاظ والزمان والأدوات المادية. لقد أظهر أنه إذا أهملنا العقل في فهم الآيات، فإننا نقع في التناقض؛ لأن أصل إثبات الله والنبوة والقرآن يقوم على العقل.
وأشار الى أن العلامة الطباطبائي قد تحدى بهذا النهج العديد من الآراء غير العقلانية والسلفية التي كانت تحظر تدخل العقل في فهم الشؤون الإلهية. فإذا لم يُستخدم العقل بشكل صحيح، فإن النتيجة هي السقوط في الجمود والسطحية؛ وهو ما نرى مظاهره اليوم في التيارات المتطرفة. وفي مجتمعنا أيضاً، سواء في الحوزة العلمية أو الجامعة، كلما ضعف العقلانية، نما الانحراف والسطحية.
وأوضح أن رسالة الحوزات العلمية والجامعات اليوم أصعب من ذي قبل. مجتمعنا بحاجة إلى إعادة إحياء العقلانية الأصيلة، وتنشئة المفكرين الحكماء، والابتعاد عن السطحية الشائعة. إرث العلامة الطباطبائي ليس فقط في كتاباته؛ بل في منهجه: منهج الفهم، منهج التفكير، منهج مواجهة الحقيقة.
وفي الختام، أحيا حجة الاسلام والمسلمين جوادي آملي ذكرى العلامة الطباطبائي الذي عاش في فقر وصعوبة ولكنه ترك كنزًا ثمينًا للعالم الإسلامي، وقال: نسأل الله أن يعيننا على السير في طريق العقل والعدل والحقيقة. كما أتقدم بالشكر للمنظمين لهذا اللقاء العلمي وجميع الأساتذة والباحثين والشخصيات العلمية الحاضرة.