
في هذه الجوهرة الكريمة ينبهنا الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى ضرورة أن إتقان مهارة مهمَّة جدًا في عالم التواصل مع الناس وطلب الحاجات منهم، أن نتقن فَنَّ الخطاب معهم، فكلما كان الكلام مُتقنًا وحَسَنًا وبليغًا وصادقًا وموجَزًا كان تأثيره في النفوس أقوى، وكانت الاستجابة له أسرع.
فمن أحسن السؤال أُسعِف وأُنجِد، فالسؤال من منظور الإمام علي (ع) ميزان يُوزن به عقل الشخص، ومرآة تعكس حقيقة حاله، وتكشف عن صدقه أو كذبه، فإذا صِيغ السؤال بطريقة حَسَنَة ذكية اقتضى ذلك أن يُلَبَّى طلبه، ويُسعَف في حاجته.
والسؤال هنا عامٌ يشمل أي سؤال، سؤال المرء عن أمر علمي، وسؤاله الحاجة، وسؤاله المعونة والنجدة، ويشمل السؤال من الناس والسؤال من الله تعالى، ففي جميع هذه الموارد على المَرء أن يُحسِن السؤال كي ينال مطلوبه، فإذا أراد أن يسأل طلبًا للفهم والمعرفة، يسأل بأدب، وإذا أراد أن يسأل حاجة يسألها بصدق ولُطف، وقد أكَّدت النصوص الشريفة الصادرة عن رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (ع) على ذلك.
فبخصوص السؤال عن العلم قال رسول الله (ص): "حُسْنُ السُّؤالُ نِصفُ العِلمِ". وقال الإمام أمير المؤمنين (ع): "القُلوبُ أقفالٌ مَفاتِحُها السُّؤالُ". وقال (ع): "مَن أحسَنَ السؤالَ عَلِمَ، مَن عَلِمَ أحْسَنَ السُّؤالَ".
وحذَّر (ع) من السؤال الذي يكون دافعه غير شريف، كالسؤال الذي يصدر من المتعنِّت الذي لا يطلب الحق، بل يسأل تعجيزاً للمسؤول منه، فقد رُوِيَ عنه (ع) أنه قال: "إذا سَألتَ فَاسأل تَفَقُّهاً ولا تَسألْ تَعَنُّتاً؛ فإنَّ الجاهِلَ المُتَعَلِّمَ شَبيهٌ بالعالِمِ، وإنَّ العالِمَ المُتَعَسِّفَ شَبيهٌ بالجاهِلِ".
أما بخصوص سؤال الحاجة والمَعونة من الآخرين فقد أوصى الأئمة (ع) بجملة من الوصايا التي تجتمع جميعًا تحت عنوان (حُسْنُ المَسأَلة):
فأوصوا بضرورة أن يسأل المرء ما يُستطاع، ولا يسأل ما يعجز عنه المسؤول، فإذا كنت تعلم أن شخصًا لا يملك ألف دولار، أو ليس من شأنه أن يعطيك ألفًا فسألته أن يعطيك الألف فقد سألتَ ما لا يُستطاع، فإذا ردَّك فليس لك أن تلومه، لذا قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "إذا أرَدْتَ أَنْ تُطاعَ فَاسْألْ ما يُسْتَطاعُ".
وأوصَوا: أن يسأل الشخص ما يستحق، كالفقير الذي يستحق المعونة، فإن سأل ما لا يستحق فقوبل بالرد فليس له أن يلوم الآخرين، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَن سَألَ ما لا يَستَحِقُّ قُوبِلَ بِالحِرمانِ".
وأوصَوا: بأن لا يُلحِف المَرء في السؤال، أي لا يُلِحَّ فيه ويكثر منه، فإن ذلك يتسبب بنفور المسؤول منه، ويقيم حاجزًا نفسيًا بينه وبينه، قال الإمام (ع): "كَثرَةُ السُّؤالِ تُورِثُ المَلالَ" إضافة إلى وصايا أخرى لا يسمح الوقت لذكرها جميعًا.
خلاصة القول: إن هذه الجوهرة العلوية الكريمة تدعونا إلى إتقان مهارة السؤال، ليكون حسَنًا ومؤثِرًا في النفوس، واختيار القَدْرِ الكافي، والزمن المناسب، وتقديم الثناء والمدح قبله، فجودة السؤال تحدِّد جودة الجواب.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي