ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

تكامل الإنسان وكماله هو الغاية القصوى لوجوده

19:21 - May 11, 2023
رمز الخبر: 3491106
بيروت ـ اكنا: ما اهتم الإسلام بشيء كاهتمامه برياضة النفس، فبتهذيبها وتنمية فضائلها يصنع إنساناً كاملاً، وتكامل الإنسان وكماله هو الغاية القصوى لوجوده كما ذكر القرآن الكريم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الرِّياضَةِ غَلَبَةُ الْعادَةِ".

ما اهتم الإسلام بشيء كاهتمامه برياضة النفس، فبتهذيبها وتنمية فضائلها يصنع إنساناً كاملاً، وتكامل الإنسان وكماله هو الغاية القصوى لوجوده كما ذكر القرآن الكريم.

ومعلوم أن الناس يتفاضلون فيما بينهم بالنفوس فمن شَرُفَت نفسه ارتقى وسماً، ومن خبثت نفسه انحطَّ وسَفُل، ومعلوم أيضا أن في النفس قابلية للتزكية وقابلية للتردية، وعلى الإنسان أن يبذل وسعه في تزكيتها والارتقاء بفضائلها وملكاتها، فإن فعل ذلك زكى وارتقى، وإن غفل عن نفسه وتركها نهباً لشهواتها وأهوائها انحطَّت وانحطَّ معها، والعاقل لا يغفل عن نفسه لأنها كما يقول الإمام زين العابدين (ع): "إلهِي إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الأَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ" وقد دعا الله الإنسان إلى ترويض نفسه وتهذيبها فقال: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"﴿10/ الشمس﴾.

إن الإنسان مخلوق ذو طبيعتين، ولكل طبيعة استعداداتها، طبيعة مادية تكونت من طين الأرض، وطبيعة روحية نفخها الله فيه، وفيه استعدادات متساوية للخير والشَّر، وهو قادر على التمييز بينهما، وقادر كذلك على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر، باعتباره كائن حُرٌّ مُختار، وقدرته على توجيه نفسه إلى الأمرين كامنة في كيانه فعلى هذا فَطَرَه الله تعالى، ورغم ذلك فإن الله يعينه على ذلك التوجيه بقوة أخرى مدركة واعية وهي العقل الذي يمَيِّز أيضاً بين الخير والشَّرِّ، والذي يدعو الإنسان إلى فعل الخير باعتباره أمراً حَسناً وكمالاً مطلوباً، وينهاه عن فعل الشَّرِّ باعتباره أمراً قبيحاً لا يليق بالإنسان.

إضافة إلى الفِطرة والعقل يعينه الله تعالى بعوامل خارجة عن ذاته توجِّهه إلى الخير، تتمثل بالرسالات السماوية، وبَعْثِ الأنبياء وإرسال الرُّسُل، والعِبَر والمواعظ، والابتلاءات الموقِظَة المُنَبِّهة، فإذا استخدم الإنسان قواه الداخلية، واستفاد من القوى الخارجة عنه في تزكية نفسه وتهذيبها وتنمية فضائلها ووضعها في طريق الخير فقد أفلح وفاز في دنياه وآخرته، وكان فوزه من صُنعه، وفلاحه ناتج سعيه ومجاهدته لنفسه، ومن غفل عن نفسه ورذائلها وأمراضها واستسلم لها، فقد فشل وخاب وخسر دنياه وآخرته، وفشله وخيبته ناتجان عن تخليه عن مسؤوليته تجاه نفسه وتركها على هواها تأخذه أنَّى شاءت.

إن منح الإنسان حرية الاختيار، والقدرة عليه، يجعل مكاسب ترويضه لنفسه وتهذيبها عائدة إليه حصراً، كما يجعل تبعات استسلامه أمام نفسه وتخليه عن تزكيتها راجعة عليه حصراً، فالحريته تبعات، وقدرته وتمكينه يقابلهما تكاليف، وعليه أن ينهض إلى أداء تكاليفه.

وبهذا يرتفع الإنسان ويرتقي إلى مقام سامٍ اختاره الله له. ويجعل منه إنساناً جاداً يتحمل مسؤولياته تجاه نفسه وتجاه وجوده وتجاه دَوْره.

وهذا بدوره يجعله دائم الوعي بحاجته إلى مزيد من الارتقاء، والارتقاء يحتاج إلى مزيد من الالتفات إلى النفس وفضائلها ورذائلها فيُنَمِّي الأولى، ويهذِّب الثانية.

ولا ريب في أن تهذيب النفس والإمساك بغرائزها وأهوائها وشهواتها ليس بالأمر الصعب على من يتحلى بإرادة قوية وعزم أكيد، إذ تهون عليه مشاقُّ السِّير والسلوك، من السيطرة على الغرائز والتحكم بها، ومجاهدة نوازع الشَّرِّ فيها، وهو المعبَّرُ عنه في الروايات الشريفة بالجهاد الأكبر، ولا بد أن يستعين على ذلك بالإقلاع أولاً عن العادات السيئة القبيحة، حتى ولو استلزم الأمر تعباً وتوتراً وصبراً فإن: "آفَةُ الرِّياضَةِ غَلَبَةُ الْعادَةِ".

ويواكب ذلك بأداء العِبادات التي نصَّت الشريعة المقدسة عليها، سواء كانت واجبة أم مندوبة، فإن العبادات ما أمر الله بها تهذيباً لنفس الإنسان وتزكيتها، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "الشَّرِيعَةُ رِيَاضَةُ النَّفْسِ".

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال وهبي

captcha