ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الحِلم من أشرف الخصال وأكمل السَّجايا

15:54 - May 14, 2023
رمز الخبر: 3491150
بیروت ـ إکنا: إن الحِلم من أشرف الخصال وأكمل السَّجايا، وهو من سِمات النبل، ودليل على سُمُوٍّ الأخلاق، وداعٍ من دواعي العِزَّة والكرامة، وينشأ من احترام الذات وإكرام النفس عن مجاراة السفهاء في طيشهم وجهالتهم، والتَّرَفُّعِ عن مقابلتهم بالمثل، لأن مجاراة السفيه في سفهه تجعل الإثنين سواء، ومقابلته بمثل أفعاله تَرَدٍ وسقوط في بؤرته. 

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْحِلْمِ الذُّلُّ".

الحِلْمُ: التَّأَنِّي والصَّبْرُ، يُقال: حَلُمَ، أي تَأَنَّى وصَبَرَ ولم يَتَعَجَّلْ. ويأْتي الحِلْمُ بِمعنى السُّكُونِ وضَبْطِ النَّفْسِ عند مُثيرات الغضب.

والحِلم من أشرف الخصال وأكمل السَّجايا، وهو من سِمات النبل، ودليل على سُمُوٍّ الأخلاق، وداعٍ من دواعي العِزَّة والكرامة، وينشأ من احترام الذات وإكرام النفس عن مجاراة السفهاء في طيشهم وجهالتهم، والتَّرَفُّعِ عن مقابلتهم بالمثل، لأن مجاراة السفيه في سفهه تجعل الإثنين سواء، ومقابلته بمثل أفعاله تَرَدٍ وسقوط في بؤرته. 
{
وقد مدح الله الحِلمَ وكشف عن أنه صفة رئيسية من صفات عباد الرحمن، فقال: "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"﴿63/ الفرقان﴾  إن عباد الله يمشون على الأرض مشية هَيِّنة سهلة ليس فيها تكبر ولا تعاظم ولا استعلاء ولا تصَنُّع، وهم في جِدِّهم وَوَقارهم لا يلتفتون إلى حماقة الحَمقى، ولا تشغلهم سفاهة السفهاء وطيشهم، فلا يدخلون معهم في جدال ومهاترات، إذا خاطَبَهم الجاهلون قالوا سلاماً، لا يقولون ذلك من ضَعف وهَوان، ولا من مَهانة وصَغار وذلة، ولكن عن ترَفُّعٍ وسُمَوٍّ، وتعالٍ بالنفس عمّا يوبقها ويُسيء إلى كرامتها ورفعتها.

أمّا الروايات الشريفة فوصفت الحِلمَ بأنه سَجِيَّة فاضلة، وغِطاء ساتِرٌ يُظهر نقاط القوة في شخصية الإنسان ويستر نقاط الضعف فيها، وأنه نورُ جَوهرة العقل، ودليل على تمامه وكماله، وأنه يحجب المرء عن الآفات الأخلاقية الرذيلة، ويجعله أهلاً للرئاسة والسِّيادة والقيادة، ويورثه الوَقار والعِزَّة، ويُزينه في عيون الناس، وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "وَجَدْتُ الحِلمَ والاحْتِمالَ أنْصَرَ لي مِن شُجْعانِ الرِّجالِ"*. وجاء عنه أيضاً: *"مَن غاظَكَ بقُبْحِ السَّفَهِ علَيكَ، فَغِظْهُ بحُسنِ الحِلمِ عَنهُ".

والحِلم كغيره من الفضائل الأخلاقية يحتاج إلى تَنميَة، ولذلك دعَت الروايات الشريفة المؤمن إلى التَّحَلُّمِ وذلك بأن يُمْسِك بغضبه حين يغضب، ويترَّفَّع عن مقابلة المسيء بالإساءة، ويستمِرّ على ذلك حتى يصير الحلم مَلَكة من مَلَكاته الأخلاقية بحيث يحْلُم تلقائياً في جميع المواقف دون تفكير مُسَبَّقٍ، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إنْ لَم تَكُن حَليماً فَتَحَلَّمْ، فإنَّهُ قَلَّ مَن تَشبَّهَ بقَومٍ إلّا أوْشَكَ أنْ يكونَ مِنهُم"*. ورُوِيَ عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: *"إذا لَم تَكُنْ حَليماً فتَحَلَّمْ".

وقد تسأل قارئي الكريم: من أين ينشأ الحِلمُ، وبكلمة أخرى: ما هي الأمور التي تجعل الإنسان حليماً؟

أقول: "قد ذكرت الروايات الشريفة جُملة من المَناشئ والأسباب. *منها: كمال عقل الإنسان، فالعقل وهو من أعظم نعم الله على الإنسان يدعوه إلى التَّرَفُّعِ عن الدخول في مهاترة مع المسيء، أو أن ينزل إلى مستوى الخسيس من الناس. ومنها: العلم فهو أيضاً يدعو الإنسان إلى الترفُّع عن مقابلة الجاهلين بمثل منطقهم وأسلوبهم. ومنها: عُلُوُّ الهِمَّة فكلما عَلَت هِمَّة المَرء وسَمَت أهدافه وغاياته ترفَّعَ عن كل ما يعيق تقدمه نحن أهدافه وغاياته مما يفعله الجاهلون".

أما عن الآثار الطيبة الجليلة التي ينتجها الحِلم فقد ذكرها رسول الله (ص) بقوله: "فأمّا الحِلمُ فمِنهُ رُكوبُ الجَميلِ، وصُحبَةُ الأبْرارِ، ورَفْعٌ مِن الضَّعَةِ، ورَفْعٌ مِن الخَساسَةِ، وتَشَهّي الخَيرِ، وتَقَرُّبُ صاحِبِه مِن مَعالي الدَّرَجاتِ، والعَفوُ، والمَهلُ، والمَعروفُ، والصَّمتُ، فهذا ما يَتَشَعّبُ للعاقلِ بحِلمِهِ".

وهنا أمر مُهِمٌ نَبَّه إليه الإمام (ع) في جَوهرته وهو أنَّ الحِلمَ مَمدوح في كل المواقف إلا إذا أدّى إلى ذُلِّ الحليم، إن الحلم غالباً ما يؤدي إلى أن يرعوي السفيه عن سَفَهِه، ولكنه إذا أدّى إلى مَزيد من السَّفَه والجُرأة والرُّعونة والطيش، فالرَدُّ عليه هو الأولى. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha