ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الذي يُعطي ويتقي هو الذي يكون عطاؤه لله

15:19 - May 15, 2023
رمز الخبر: 3491161
بيروت ـ إکنا: إن الذي يُعطي ويتقي هو الذي يكون عطاؤه لله، هو الذي يتعامل مع الله لا مع سواه، وتصديقه بالحُسنى يعني يقينه بفضيلة العطاء في الله ولله، فإذا كان حاله كذلك يسَّره الله لليسرى، فجعل أمره كله يُسراً، وسَهَّلَ له المطالب كلها، ومن يُيَسِّره الله لليسرى يَصِل إلى غايته، يصل في يُسر وعافية، يصل إلى الله وهو بعد في الدنيا، ويصل إلى رحمة الله في الآخرة، ويصل إليه ثواب الله ونعيمه. 

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْعَطَـاءِ المَطَـلُ".

الحياة أخذ وعطاء، وعطاء وأخذ، مقولة صحيحة، الحياة نفسها برهان على ذلك، فأنت لا تجد مخلوقاً يأخذ ولا يعطي، أو يعطي ولا يأخذ، وحدُه الله تعالى خارج هذه المعادلة، لأنه الغني الصمد، وواجب الوجود الذي أوجد الكون كله، أمّا نحن البشر بل كل الخلق يأخذ ويعطي، والإنسان لا يعطي الإنسان ولا يأخذ منه وحسب، بل يعطي سواه من الكائنات ويأخذ منهم، هكذا علاقته بالحيوانات والحشرات والأشجار والزروع والنباتات. وهذه العلاقة فريدة عجيبة، بعضها مباشر وبعضها الآخر غير مباشر، وهي بذاتها تدل على وحدانية الخالق المدبر الذي خلق الكون على نسق واحد ونظام واحد وأقام بين المخلوقات تعاوناً وتكاملاً مذهلين.

إن العطاء بين الخلق على أنواع: فمنه العطاء التكويني اللا إرادي، ونقصد به العطاء الذي يكون بين الجمادات والناميات التي لا شعور لها ولا غرائز.

ومنه العطاء الغريزي الذي نراه في الحيوانات والحشرات على أنواعها، ومنه العطاء الإرادي الواعي وهو الذي يكون بين الإنسان والإنسان، والمفروض أنه أسمى أنواع العطاء، لأن المعطي هنا يدرك أو قادر على أن يدرك أن الحياة لا تستقيم من دون عطاء وأخذ، وأن اجتماع الأفراد في حياة اجتماعية يقوم على هذا المبدأ، ويدرك أنه لا يمكنه أن يأخذ من دون أن يعطي، ويدرك الآثار الإيجابية العظيمة التي تنتج عن العطاء والأخذ، وعلى ضوء هذا الوعي يعطي ويبذل، ويُسخِّر ما لديه من طاقات وإمكانات لصالحه وصالح غيره.

وعلى ضوء ما سبق نفهم لماذا اهتمَّ الإسلام بالعطاء أكثر من الأخذ، وجعل له قيمة كُبرى، ومدحه بأبلغ صور المدح، وأعلن أن الله تعالى هو الذي يتقبَّل عطاء المُعطي واقعاً، وأنه يقع في يَدِ الله قبل أن يقع في يَدِ المتلقي للعطاء من الناس، وأن الله تعالى يُثَمِّرُ العطاء، ويُربيه، ويشكره، ويُخلِفه، ويزيد المعطي، ويضاعف له أضعافاً كثيرة، وقد نَصَّت على ذلك طائفة من الآيات الكريمة منها قوله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ ﴿5﴾ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ﴿6﴾ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ"﴿7/ الليل﴾.

فالذي يُعطي ويتقي هو الذي يكون عطاؤه لله، هو الذي يتعامل مع الله لا مع سواه، وتصديقه بالحُسنى يعني يقينه بفضيلة العطاء في الله ولله، فإذا كان حاله كذلك يسَّره الله لليسرى، فجعل أمره كله يُسراً، وسَهَّلَ له المطالب كلها، ومن يُيَسِّره الله لليسرى يَصِل إلى غايته، يصل في يُسر وعافية، يصل إلى الله وهو بعد في الدنيا، ويصل إلى رحمة الله في الآخرة، ويصل إليه ثواب الله ونعيمه. 

وإذا استقرَّ هذا الوعي في عقل المؤمن وأخذ مكانه في قلبه، سارع إلى العطاء حِينُ يسأله الناسُ ذلك، فيعطيهم بقناعة وجَزم، ويعطيهم بثقة ويقين، دون مَطَلٍ وتسويف، إذ يصير العطاء ملكة من ملكاته الأخلاقية، فهو يبادر إليه خوفاً من أن تذهب الفرصة، إذ يعتبر التوفيق للعطاء فرصة يجب أن يستغلها الاستغلال الأمثل، ولذلك لا يُسوَّف ولا يماطل، ولا يَعِدُ ثمَّ لا يفي بوعده، إذ يعلم أن المَطَلَ يُنَكِّدُ الإحسان والعطاء، فالعطاء الذي يكون بعد وَعْدٍ وَوَعْدٍ، والعطاء الذي يأتي بعد مماطلة وتسويف يُسيء إليه كما يُسيء إلى الآخذ، وذلك لا ينسجم مع أخلاقه وقِيَمه. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

captcha