ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

التَّوَدُّد يهدف إلى تعميق المَحبَّة

12:03 - May 24, 2023
رمز الخبر: 3491285
بيروت ـ إکنا: لا ريب في أن التَّوَدُّد أبعد من الحُبِّ، بل أبعد من المودة ذاتها، التَّوَدُّد يهدف إلى تعميق المَحبَّة وتمتين وشائجها، التَّوَدُّد يهدف إلى استمالة المَحبوب بالإعلان له عن المَحبَّة التي يكونها المتودد له، فقد تُحِبُّ شخصاً دون أن يعرف أنك تُحِبُّه، وقد تُحِبُّه ولكنك لا تتقرَّب إليه، ولكنك بالتودد تتقرَّب إليه، تجعل من نفسك في خدمته وطوع أمره.

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِالتَّوَدُّدِ تَتَأَكَّدُ الْمَحَبَّةُ".

والحُبُّ كالشجرة المُثمِرة التي تحتاج إلى عِناية متواصلة من رَيٍّ وتسميد وتقليم ومداواة، فمن دون ريٍّ تعطش، ومن دون مداواة تغزوها الفطريات والحشرات والأوبئة، ومن دون تقليم يغزوها اليَباس، ومن دون تسميد تفقد نظارتها فيظهر الاصفرار على أوراقها فتهرم وقد كان في الإمكان المحافظة على شبابها، وتموت وقد كان في الإمكان المحافظة على حياتها.

والحبُّ وإن كان موطنه القلب، لكنه كالنبع يجب أن يتدفق ويجري فيروي ما يحتاج إلى ري، ويسقي ما يحتاج إلى سقاية، فيحي الأرض الموات، ويعيد النظارة إلى النبات، ويهب الحياة لمن وما يستحق الحياة، وقد جعل الله من الماء كل شيء حي، فلولا خروج الماء إلى العَلَن لا يُعرف النبع، ولولا جريان الماء فلا فائدة منه لمن يحتاجه، كذلك الحب يجِب التعبير عنه كي يُنتِجَ آثاره لدى المُحِبِ والمَحبوب. 

والحُبُّ إن بقي كامِناً في القلب فلا تأثير له في الآخر إذ لا يفيده في شيء، فيجب أن يجري ويتدفق، أن يخرج إلى العلن، أن ينساب رقيقاً مُرهَفاً من قلب المُحِبِّ إلى قلب المحبوب، قد يخرج بكلمة فيها تَوَدُّد إليه، قد يكون إطراءً وثناءً ومدحاً وكلاماً عذباً طيّباً، قد يكون اهتماماً والتزاماً، قد يكون تعاملاً مُهَذَّباً ومعاملة حسنة، ومساندة ودعماً نفسياً، وغُفراناً وصَفحاً، وتغافلاً عن الزَّلّات، وتجاهلاً للتقصير غير المُتَعَمَّد، ونُصحاً في مشورة، وحماية وصَوناً، وحِرصاً ورأفة، ورحمة وعَطفاً، ورِفقاً وليِناً، وتواضُعاً وخفضاً للجناح، ووفاء بالوعد، وصدقاً في الكلام، وطلاقة على الوجه، وبَسمة وبِشراً، وبذلاً وكَرَماً، وعِشْرة طيِّبة. 

والحُبُّ يزيد وينقص، ينمو ويتراجع، يقوى ويضعُف، ولكُلٍّ أسبابه وهي في يديك ويدَي من تُحب، وإذا كان من أهم أسباب نموه وزيادته وقوته التودُّد إليه بما سبق ذكره، فإن من أهم أسباب ضعفه وتراجعه قلة الاهتمام به، وعدم الاكتراث لحاله، وإهماله، وعدم رعايته وحمايته وصونه، وترك نُصحه وإعانته، وترك التعبير له بالقول أو بالفعل، وعدم الاعتراف له بالجميل، والإغضاء عن حسناته أو التقليل من شأنها، وتعظيم سيئاته. 

وينمو الحُبُّ بالتَّوَدُّد ويزيد ويتعاظم، والتَّوَدُّد يجب أن يُقابل بالشكر والعرفان، والأهم منهما التودد إليه هو الآخر، ومقابلته بالمثل، فالحب لا يُثمِر إن كان من طرف واحد، حتى بين الإنسان وبين الله، إن الله الذي يُحبُّنا يجب أن نقابله بالحُبِّ أيضاً، وهو أهل للحُبِّ الحقيقي الأكمل لأنه صاحب كل كمال، وأصل كل جمال، لكن واقع الحال أنه تعالى يُحبّنا ويتحبَّبً إلينا بالنعم فنعارضه بالذنوب والمعاصي، ينزل إلينا خيره، ويصعد إليه شرَّنا. لذلك لا تستقيم علاقتنا به، ولا تستقيم حياتنا جراء ذلك.

ولا ريب في أن التَّوَدُّد أبعد من الحُبِّ، بل أبعد من المودة ذاتها، التَّوَدُّد يهدف إلى تعميق المَحبَّة وتمتين وشائجها، التَّوَدُّد يهدف إلى استمالة المَحبوب بالإعلان له عن المَحبَّة التي يكونها المتودد له، فقد تُحِبُّ شخصاً دون أن يعرف أنك تُحِبُّه، وقد تُحِبُّه ولكنك لا تتقرَّب إليه، ولكنك بالتودد تتقرَّب إليه، تجعل من نفسك في خدمته وطوع أمره، وتبثُّ إليه بأحاسيسك ومشاعرك، وذلك من دواعي استمالته إليك بلا شَكٍّ. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

facebook

whatsapp

captcha