رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِالطّاعَةِ يَكُونُ الإقْبالُ".
الطَّاعة هي الاستجابة لأمر الغير والعمل به طوعاً، وقيل: هي امتثال الأمر، واجتناب النهي، لكل صاحب حقٍ أو وِلايَةٍ. ولا شك في أن لله تعالى حق الطاعة على البشر، فهو الذي خلقهم وأوجدهم، ويلطف بهم ويرزقهم ويتفضل عليهم بشتى أنواع النعم، وتتمَثَّل الطاعة لله بالخضوع له، وامتثال جميع أوامره ونواهيه.
وإن الإقبال على الله تعالى، والتوجُّه إليه، والاهتمام بأمره، والتعظيم لمقامه لا يكون إلا بالطاعة له، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إنّهُ لا يُدرَكُ ما عِندَ اللَّهِ إلّا بطاعَتِهِ" ورُوِيَ عنه (ص) أنه قال: "مَنْ أَتَى اللَّهَ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ".
إن كثيراً منا يريد أن يكون قريباً من الله، لكنه قد لا يعرف الطريق إلى ذلك، والبعض منا قد يراه في فعل المستحبات فيهتم بها أكثر من اهتمامه بالواجبات، وبعضٌ قد يهتم بالمستحب ولكنه لا يجتنب ما حرَّمَ الله عليه، واللهُ لا يُطاعُ من جهة ويُعصى من جهة أخرى، المُستحبُّ يقرِّبُ إلى الله بلا شكٍّ، ولكن العصيان يُبعِدُ عنه بلا شكٍ، فهو يتقدم خطوة بالمستحبِّ ويتراجع خطوات بالحرام، يقترب ويبتعد في آن معاً، وهذا لا يكون من عاقِل، لذلك يبيِّنُ النبي الأكرم (ص) الطريق الأمثل للإقبال على الله تعالى وأنه منحصر بالطاعة المطلقة، فعلاً لما أمر به، واجتناباً لما نهى عنه.
واعلم قارئي الكريم إنك قد تجِدُ صعوبة في أن تفعل جميع ما أمرك الله بفعله، وتجتنب جميع ما أمرك الله باجتنابه، ولكنك لو فكَّرتَ فيما دعاك الله إلى فعله أو نهاك عن فعله فستجد أن مصلحتك الدنيوية والأخروية، والروحية والبدنية، هي وحدها مِلاك ذلك، فكلُّ ما فيه مصلحة أكيدة لك يُوجِبه الله عليك، وكل ما فيه مفسدة أكيدة يحرِّمه الله عليك.
إن هذا الفَهم يدعوك إلى الطاعة المطلقة لله تعالى، لأنك تدرك أن طاعاتك له ترجع بالفائدة عليك، فبالطاعة تستجلب الخير لنفسك، وبالمعصية تستجلب الشرَّ لها، والعاقل هو الذي يدفع الضُّرَّ عنه ويجتنبه ولو كان مُحتَمَلاً، ويطلب النفع ولو كان مُحتَمَلاً. فعائد الطاعة يرجع عليك حصراً وهو الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: "...وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ..."﴿17/ الفتح﴾. وقال تعالى: "...وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"﴿71/ الأحزاب﴾.
واعلم قارئي الكريم أنك إن أقبلتَ على الله بالطاعة أقبل الله عليك بالمغفرة والرحمة، والفضل والنعمة، والشكر والزيادة، والتوفيق والتسديد، والمزيد من الهداية والرعاية، يقول الإمام زين العابدين (ع) في مناجاته الموسومة بمناجاة المريدين: "فَيا مَنْ هُوَ عَلى المُقْبِلِينَ عَلَيْهِ مُقْبِلٌ وَبِالعَطْفِ عَلَيْهِمْ عائِدٌ مُفْضِلٌ وَبالغافِلِينَ عَنْ ذِكْرِهِ رَحِيمٌ رَؤُوفٌ وَبِجَذْبِهِمْ إِلى بابِهِ وَدُودٌ عَطُوفٌ". ورُوِيَ عن الإمامُ الصّادقُ (ع) أنه قال: "إنّي لَاُحِبُّ للرجُلِ مِنكُم المؤمنِ إذا قامَ في صلاةٍ فَريضَةٍ أن يُقبِلَ بقَلبِهِ إلى اللَّهِ ولا يَشغَلَ قَلبَهُ بأمرِ الدنيا، فليسَ مِن مؤمِنٍ يُقبِلُ بِقَلبِهِ في صلاتِهِ إلى اللَّهِ إلّا أقبَلَ اللَّهُ إلَيهِ بوَجهِهِ، وأقبَلَ بقُلوبِ المؤمنينَ إلَيهِ بالمَحَبَّةِ لَهُ بعدَ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ إيّاهُ".
ورُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَن تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وجلَّ شِبراً تَقَرَّبَ إلَيهِ ذِراعاً، ومَن تَقَرَّبَ إلَيهِ ذِراعاً تَقَرَّبَ إلَيهِ باعاً، ومَن أقبَلَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وجلَّ ماشِياً أقبَلَ إلَيهِ مُهَروِلاً، واللَّهُ أعلى وأجَلُّ، واللَّهُ أعلى وأجَلُّ، واللَّهُ أعلى وأجَلُّ". أي والله أعلى وأَجَلُّ من أن يمشي أو يُهَروِلَ لأنه ليس بجسم ولا يحُدُّه مكان ولا زمان.
بقلم الكاتب والباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: