ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الدعاء تعبير عن إحساس نفسي لدى الإنسان

22:15 - June 02, 2023
رمز الخبر: 3491407
بيروت ـ إکنا: الدعاء تعبير عن إحساس نفسي لدى الإنسان الذي يُدرِكُ وجود حقائق ثلاث في حياته، الحقيقة الأولى: الله، الذي هو مصدر الغنى والكمال والفَيض والقدرة واللطف، والحقيقة الثانية: هو، أي الإنسان المخلوق الفقير والمحتاج الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضَراً، والحقيقة الثالثة: توجُّهه إلى الله ليساعده ويعينه في أزماته.

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِالدُّعاءِ يُسْتَدْفَعُ الْبَلاءُ".

من الخطأ الاعتقاد بأن الدُّعاء مجرد كلمات نخاطب الله بها، أو أنه (طِقسٌ) ديني نمارسه في بعض الأوقات، إن الدُّعاء أسمى وأجَلُّ من ذلك بكثير، الدعاء عبادة، بل رأس العبادة، والدعاء وِفادة على الله بل أشرف وأنبل وِفادة، الدعاء اتصال بالله خالق الإنسان وخالق الكون، والدعاء حُبٌّ وَوِصال، والدعاء مجالسة ومؤانسة، والدعاء شَجَنٌ وشكوى، والدعاء قُربٌ وزُلفى.

الدعاء دافع نفسي عظيم يدفعك إلى الأمام رغم كل الظروف الصعبة التي تحيط بك، ورغم الأزمات التي تعصِف بك، ويشحن طاقتك الإيجابية لتستمِرَّ وتتقدم، وتمخر عُباب الأزمات، وتثبت أمام النكبات، والدعاء نفسياً يُفَرِّج عنك الهموم والغموم، ويُبعِد عنك الاضطراب والقلق والتوتر. 

ومن المعروف في علم النفس أن إفضاء المريض بمشاكله إلى إنسان، وبَثَّه ما يشكو منه إليه يُشعِره بالراحة ويملأ نفسه بالسكينة، ألا ترى كيف نبحث عن إنسان نشكو إليه آلامنا ومتاعبنا، وهو بشر مثلنا لا حول له ولا قوة، ونحن ندرك ذلك، ولكننا نكتفي بالشكوى إليه، نكتفي بالإفصاح له عمّا يعتَمِل في صدورنا، فما بالك لو كنا نشكو إلى الله العليم الخبير، والرؤوف الرحيم، الذي خلقنا ويرزقنا ويُدَبِّر أُمورنا، وبيده ملكوت السماوات والأرض؟  

وتؤكِّد الدراسات العلمية الحديثة أن الدعاء يعتبر دافعا أساسياً يدفع الإنسان إلى الشعور بالفرح والسعادة، فيريحه نفسياً ويجدد نشاطه البدني ويُبعِدُ عنه الكَسَل والضَّجَر والمَلَل، ويساعده على تحقيق ذاته والثقة بنفسه، والشعور بأن له غاية يسعى إلى بلوغها، فتتصاغر همومه، وتنجلي غمومه، وتنكشف الكروب عن قلبه.

الدعاء تعبير عن إحساس نفسي لدى الإنسان الذي يُدرِكُ وجود حقائق ثلاث في حياته، الحقيقة الأولى: الله، الذي هو مصدر الغنى والكمال والفَيض والقدرة واللطف، والحقيقة الثانية: هو، أي الإنسان المخلوق الفقير والمحتاج الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضَراً، والحقيقة الثالثة: توجُّهه إلى الله ليساعده ويعينه في أزماته.

إن هذا الإدراك يستوي فيه جميع البشر، المؤمن والكافر على السواء، لكن المؤمن يمتاز عن الكافر في أنه يعرف إلى أين يتوجَّه في حياته، يتوجَّه إلى الله بروحٍ مؤمنة مشحونة بالأمل والرجاء، في حين أن الكافر يعيش نفس الإحساس بالحاجة إلى قوة تساعده لكنه لا يعرفها ولا يقيم علاقة معها فتسمك به الحيرة، ويستبد به الضياع، ويستولي اليأس على قلبه.

فبالدعاء يتوجَّه الداعي إلى قوة مُطلقة حكيمة خبيرة عليمة قادرة، وفيه تفريغ لانفعالات الداعي، وبَثٌّ لشكواه، وتنفيس لكروبه، وتعويض عن عجزه، وتقوية لدافعيته، واستعادة لطاقته النفسية.

لكن آثاره لا تقتصر على الجانب النفسي، بل تتسع لتشمل الجانب المادي من حياته الداعي، حيث تقوِّي جهاز المناعة لديه ما يجعله قادراً على صَدِّ ومواجهة الكثير من الأمراض التي يمكن أن تصيب جسده، ولذلك ينصح الأطباءُ مرضاهم باعتماد الارتباط الروحي بالله سبحانه من خلال الصلاة والذِّكر والدعاء كوسيلة مهمة من وسائل التغلَّب على المرض والتماثل إلى الشفاء.

حيث إن شعور الإنسان بأنه يرتبط بقوة عظمى تسمعه وتعلم حاله وتَقدِرُ على إنجائه وشفائه يجعله قادراً على مواجهة مرضه بالأمل والثقة بالشفاء. وبالدعاء تتحقق حاجاته المختلفة، فهو يردُّ القضاء، ويدفع البلاء، وهو مفتاح كل رحمة، ونجاح كل حاجة، وما دعا داعٍ بصدق وإخلاص فخاب، ولا طلب أمراً ممكنا فرُدَّ طلبه، ولا سأل إلا وأُعطِيَ ولو بعد حين.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha