ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الغضب غريزة من غرائز شتى زرعها الخالق الحكيم في الإنسان

14:12 - June 06, 2023
رمز الخبر: 3491441
بیروت ـ اکنا: الغضب غريزة من غرائز شتى زرعها الخالق الحكيم في الإنسان، لحاجة الإنسان إليها في حياته الدنيا، في حفظ نفسه والدَّفاع عنها وعمّا يتعلّق به، والذود عن كرامته وعرضه وماله ووطنه ودينه وقيمه، ممّا يؤدّي إلى بقاء النَّوع الإنساني.

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِكَثْرَةِ الْغَضَبِ يَكُونُ الطَّيْشُ".

الغضب غريزة من غرائز شتى زرعها الخالق الحكيم في الإنسان، لحاجة الإنسان إليها في حياته الدنيا، في حفظ نفسه والدَّفاع عنها وعمّا يتعلّق به، والذود عن كرامته وعرضه وماله ووطنه ودينه وقيمه، ممّا يؤدّي إلى بقاء النَّوع الإنساني، وما أكثر المواقف التي يحتاج الإنسان فيها إلى الغضب المضبوط، وما أكثر المواقف التي يجب على المَرء أن يُمسك بغضبه، فغريزة الغضب كغيرها من الغرائز لا يجوز إلغاؤها، كما لا يجوز إطلاق العِنان لها، بل يجب أن تكون أداة بيد العقل يستخدمها حيث يجب، ويكبحها حيث يجب، فكما أن إطلاق العنان لها يُهلِك الإنسان كذلك إلغاؤها يهلكه، والعقل هو الذي يقرر متى يجب أن يغضب المرء، ومتى يجب أن يمسك بغضبه.

ولذلك ينقسم الغضب من حيث المدح والذم إلى حالتين: 

فتارة: يكون ممدوحاً، بل قد يجب، فيما لو كان ناشئاً من عامل إيجابي عقلاني إيماني من قبيل حماية نفسه، وعرضه، وماله، وسمعته، وحماية المظلوم، والدفاع عن الضعيف، والدفاع عن القيم الأخلاقية السامية، ومقارعة القيم الشيطانية السافلة، وسوى ذلك من الأمور والأحوال التي يجب أن يغضب المرء لأجلها. 

وتارة أخرى: يكون مذموماً فيما لو كان غضباً من أجل المنكر والظلم، وأدى إلى أن يركب صاحبه مركب الفواحش والمنكرات، أو يحمله على النَّيْلِ من كرامات الناس وأعراضهم، والولوغ في دمائهم، وسلبهم أموالهم وسوى ذلك من مظاهر المنكر والظلم.

ثم إن للغضب آثاراً شديدة الخطورة على بدن الإنسان، وعلى نفسه، وعلى قراراته، وعلى مصيره، فأما آثاره على البدن فقد خلُصت الأبحاث الطبية الرصينة إلى أن الغضب يتسبَّب في سُرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وصعوبة التنفس، وارتفاع حرارة الجسم، وزيادة التَّعرُّق، والصداع، والشَّدّ العضلي، ويحدث آلاماً في الجهاز الهضمي مثل آلام البطن، وآلاماً في الجهاز التنفسي، وقد يؤدي إلى الإصابة بالربو، واضطرابات النوم، والنوبات القلبية، والجلطات الدماغية. والمشاكل الجلدية مثل الأكزيما. 

وأما آثاره النفسية فقد وجدت الأبحاث الطبية كذلك أنه يسبب القلق، والتوتر، والاكتئاب، والحزن، ودخول الإنسان الغاضب في حالة من الصمت، أو زيادة كبيرة في سرعة كلامه. وقد يكون الشخص الغاضب في كثير من الأوقات أقل عَطفاً وحَنانا، وأكثر عُدوانية وانحرافاً، وقد يؤدي به الغضب إلى الشعور بالخجل والندم والإحراج والشعور بالذنب، وعدم احترامه لذاته، وقد يؤدي به إلى العُزلَة الاجتماعية، فضلاً عن تَقَطُّع روابطه العاطفة والأسرية.

ما سبق ذكره من آثار بدنية ونفسية يهون أمام آثار الغضب على قرارات ومصير الإنسان الغاضب، أقلها الطَّيشُ، وهو خِفَّة في العقل، أو ذهاب العقل كله، ويأتي بمعنى المَيلِ والزَّيغِ، ويأتي بمعنى الحَيرة والضَّياع، وقد وصفت الروايات الشريفة الغضب بأنه: "جَمرَةٌ مِن الشيطانِ. ونارٌ مُوقَدَةٌ. ومَمحَقَةٌ لِقَلبِ الحَكيمِ. وأوَّلُهُ جُنونٌ، وآخِرُهُ نَدَمٌ. ويُثِيرُ كَوامِنَ الحِقدِ. ومِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ. ويُردِي صاحِبَهُ ويُبدِي مَعايِبَهُ. ويُفسِدُ الألبابَ، ويُبعِدُ مِن الصَّوابِ. ومَن لَم يَملِكْ غَضَبَهُ لَم يَملِكْ عَقلَهُ".

من هنا وجب في شريعة العُقَلاء أن يُمْسِك المَرْءُ بغضبه، وأن يُحسِنَ إدارته، فقد رُوِيَ عن الإمام الصّادق (ع)أنه قال: "مَرَّ رسولُ اللَّهِ بقومٍ يَرفَعُونَ حَجراً فقالَ: ما هذا؟ فقالوا: نَعرِفُ بذلك أشَدَّنا وأقوانا، فقالَ: أَلا أُخبِرُكُم بِأشَدِّكُم وأَقواكُم؟ قالوا: بَلى‏ يا رسولَ اللَّهِ، قالَ أشَدُّكُم وأقواكُمُ الذي إذا رَضِيَ لَم يُدخِلْهُ رِضاهُ في إثمٍ ولا باطِلٍ، وإذا سَخِطَ لَم يُخرِجهُ سَخَطُهُ مِن قَولِ الحَقِّ، وإذا قَدَرَ لَم يَتَعاطَ ما ليسَ بِحَقٍّ".

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha