
كما يحتاج البدن إلى الغذاء والراحة والدواء، ولا يمكنه العيش من دون ذلك، كذلك تحتاج الروح الإنسانية إلى الارتباط بالمطلق الحي القادر الذي بيده مقاليد الأمور، لا تطمئن من دون ذلك.
وإذا كان البدن يتغذَّى على ما هو من سِنخه، فنطعمه الطعام الذي يرجع في الأصل إلى المادة وهي التراب والماء والعناصر المادية الضرورية، كذلك الروح التي هي من العالم العُلْوي تحصل على حاجاتها الروحية والمعنوية منه، ولا يتحصَّل ذلك إلا بذكر الله تعالى، كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "مُدَاوَمَةُ اَلذِّكْرِ قُوتُ اَلْأَرْوَاحِ وَمِفْتَاحُ اَلصَّلاَحِ".
وكل غذاء روحي يحصل عليه الإنسان من طريق آخر فهو غذاء موهوم وليس غذاءً حقيقياً، وهو أشبه ما يكون بتلك (اللَّهَّاية) المصنوعة من البلاستيك على شكل حَلَمة الثَّدي تُعطى للطفل ليلهو بها، يلتقمها ظناً منه أنه يرتضع الحليب من ثدي أُمِّهِ، فإذا لم يجد حليباً يلفظها ويأخذ في البكاء، فتكرِّر الأم وضعها في فمه، وهكذا حتى يعتاد عليها، لكن في هذه المرحلة تكون العادة هي التي تُسكِته لا الغذاء.
هكذا حال الشخص الذي يُلبي حاجاته الروحية المعنوية من غير الارتباط بالله تعالى والتَلَقّي منه، قد يوهِمُه أنه يحصل على حاجاته الروحية، وقد يعتاد على ذلك ويتمادى في هذه العادة لكنه يأتي عليه يوم يدرك أنه كان أسير أوهامه.
ذكر الله تعالى يساهم بفعالية في إزالة الضغوط النفسية
لقد أثبت المتخصِّصون النفسيون أن ذكر الله تعالى يساهم بفعالية في إزالة الضغوط النفسية، ويجلِب للنفس الطمأنينة والسكينة، ويُشعر الإنسان أنه مرتبط بأقوى ما في هذا الوجود، وأن الله يسمَعُه ويراه ويُجيبه إذا دعاه، ويلبيه إذا ناداه، وأن الذِّكر رياضة ذهنية تساهم في اتقاد الذهن وحَيويته، ويُصَفِّيه من الشواغل والصوارف، ويخلَّصه من المعلومات الزائدة التي تتراكم فيه كل يوم وتسبب له التوتر والقلق.
وأن من فوائده القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة، والثبات في الأزمات، وزيادة القدرة على الصبر، والقدرة على التسامح والغفران، والتعامل الواعي مع التوترات، وزيادة الوعي الذاتي، وتقليل المشاعر السلبية، وإبعاد اليأس والقنوط، ويُعَمِّق العلاقة بالله تعالى، وحسبك ما قاله الله تعالى وهو العليم الخبير بالنفوس وحاجاتها وأحوالها: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"﴿الرعد/ 28﴾.
ثم إنَّ الذكر على نحوين:
ذِكْرٌ قَولي: وهو الثناء والحمد لله تعالى، والتهليل، والتسبيح، والدعاء، وقراءة القرآن، وجميع ما يردده المرء على لسانه.
وذِكْرٌ حالي: وهو استحضار جلال الله تعالى، وعظمته، وقدرته، وإيمان المرء بأنه في محضر الله لا يغيب عنه، وأنه تعالى يراه ويعلم ما به وما يكون منه، ويرعاه ويحميه ويهديه ويسدده، فمن حاله هذه الحال، تراه طامعاً في رحمته تعالى، معتصماً بجلاله، محتمياً بحماه، لائذاً بفضله، عائذاً به، وهو يراقب الله في كل خطوة يخطوها، أو قول يقوله، أو فعل يفعله.
ومِمّا لا شك فيه أن لكل من نَحوَي الذكر آثار وبركات، دنيوية وأخروية لكن الذكر الحالي أعمق أثراً، وأينع ثمراً من الذكر القولي، فهو ذكر ينبعث من معرفة عميقة بالله تعالى، ولذلك يعصم هذا النحو من الذكر الإنسان من الوقوع في المعاصي.
فطوبى لمن وُفِّق لذكر الله قولاً وحالاً، وطوبى لمن وُفِّقَ لمجالسة الذاكرين فإنه شريك معهم في ذكر الله تعالى، فإن لم تكن ذاكر فاستمع إلى الذاكرين، وإن لم تكن قارئاً للقرآن فأنصت إلى القارئين تكن ذاكرا الله معهم، وتنَل ما يُنيلهم الله.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: