ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

سادة أهل الجنة هم المُخلصون لله

0:16 - November 20, 2023
رمز الخبر: 3493507
بيروت ـ إکنا: يختلف المخلصون في إخلاصهم، كلما اشتد إخلاص المرء ارتفع مقامه في الجنة حتى يبلغ من الإخلاص أشده، فيبلغ المقام الأعلى فيها ويكون من سادة أهلها، فسادة أهل الجنة هم المُخلصون لله في جميع أعمالهم وأحوالهم ونِيّاتهم، فهؤلاء يستخلصهم الله لنفسه.

وروِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "سادَةُ أَهْلِ الْجنَّةِ الْمُخْلِصُونَ"
 
الجَنَّة درجات ومراتب ومقامات، فلكل واحد من أهلها درجته ومقامه ومرتبته، فمنهم من يكون في الدرجة الدُّنيا منها، ومنهم من يكون في الدرجة الوُسطى، ومنهم من يكون في الدرجة العُليا، وما بين الثلاثة درجات كذلك، وهذا ما دل عليه القرآن الكريم في أكثر من موضع، من ذلك قوله تعالى: "هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ"﴿آل عمران/ 163﴾.


والتفاوت في الدرجات ناتج عن تفاوت إيمان ويقين وعمل الأفراد في الدنيا، وعن هذه الحقيقة قال الله تعالى: "وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" ﴿الأنعام/ 132﴾.

وحدَّثنا الله في كتابه الكريم عَمَّن هم في الدرجات العُلى من الجنَّة فقال: "وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ﴿75﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّىٰ"﴿طه/ 76﴾.
 
إذاً: العمل والعمل وحده هو الذي يُدخِل المرء إلى الجنة، والعمل وحده هو الذي يحدد درجته في الجنة، إذ به يتفاضل الناس في الدنيا وفي الآخرة، وفضل عمل على عمل لا يكون بالنظر إلى كميته وكيفيته بل في الدافع إليه، والدافع هو (النِّيَّة) فالنية هي روح العمل وهي التي تحدد قيمته، وهي المعيار على أساسها يُقبَل العمل أو يُرفَض، وللنية روح وروحها (الإخلاص) وهو أن يكون الدافع للعمل خالصا لله تعالى لا تشوبه شائبة.  

وقد بَيَّن رسول الله (ص) حقيقة الإخلاص فقال: "إنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقيقةً، وما بَلغَ عَبدٌ حقيقةَ الإخْلاصِ حتّى‏ لا يُحِبَّ أنْ يُحْمَدَ على‏ شي‏ءٍ مِن عَمَلٍ للَّهِ". 

والعِلَّة في الدعوة إلى الإخلاص في العمل لأن الله هو الذي يُوَفِّق للعمل، ويعين عليه، ويُسَدِّد العامل، ولأنه تعالى هو الذي يثيب عليه، ويبلغ بالعمل نتائجه المرجوة.

 الإخلاص يصلح باطن الانسان
 
ثم هناك عِلَّة أخرى أكثر أهمية وهي أن الإخلاص لا يُصلِح عمل الإنسان وحسب، بل يصلح باطنه، ويُنَقِّيه من شوائب الأنانية والهوى، ويجعل المرء لا يتطلّع في عمله إلا إلى الله تعالى، ولا يرجو أجراً وثواباً وثناءً وقبولاً من أحد سواه، فيصير باطنه كظاهره وبهذا يفوز المرء بمرتبة الإنسان الكامل، ولمَّا كانت غاية الدنيا الأسمى صناعة إنسان كامل كان الإخلاص هو الوسيلة المُثلى لذلك، وقد كشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن هذه الحقيقة بقوله: "الإخْلاصُ غايَةُ الدِّينِ"
 
ولما كانت الأعمال تتفاضل بالنيات، وكانت النيات تتفاضل بالإخلاص، فإن الناس يتفاضلون بالإخلاص، وبالإخلاص وحده يرتفع الناس ويرتقون إلى مقاماتهم ومراتبهم في الجنة، وهذا ما كشف عنه رسول الله (ص) فيما رُوِيَ عنه: "بالإخْلاصِ تَتَفاضَلُ مَراتِبُ المؤمِنينَ".  والإخلاص نفسه درجات ومراتب وذلك لصعوبته، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "تَصْفِيَةُ العَمَلِ أشَدُّ مِن العَمَلِ، وتَخْليصُ النِّيّةِ عنِ الفَسادِ أشَدُّ على‏ العامِلِينَ مِن طُولِ الجِهادِ".

ولذلك يختلف المخلصون في إخلاصهم، كلما اشتد إخلاص المرء ارتفع مقامه في الجنة حتى يبلغ من الإخلاص أشده، فيبلغ المقام الأعلى فيها ويكون من سادة أهلها. وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) قوله: "كُلَّما أخْلَصْتَ عَمَلاً بَلَغْتَ مِن الآخِرَةِ أملاً". 
 
فسادة أهل الجنة هم المُخلصون لله في جميع أعمالهم وأحوالهم ونِيّاتهم، فهؤلاء يستخلصهم الله لنفسه، كما قالَ الإمامُ الصّادقُ(ع): "إنَّ للَّهِ عِباداً عامَلوهُ بخالِصٍ مِن سِرِّهِ، فعامَلَهُم بخالِصٍ مِن بِرِّهِ، فهُمُ الّذينَ تَمُرُّ صُحُفُهُم يَومَ القِيامَةِ فُرَّغاً، وَإذا وَقَفوا بَينَ يدَيهِ تعالى‏ مَلَأها مِن سِرِّ ما أسَرُّوا إلَيهِ. فقلتُ: يا مَولاي، ولِمَ ذلكَ؟ فقالَ: أجَلَّهُم أنْ تَطَّلِعَ الحَفَظَةُ على‏ ما بَينَهُ وبَينَهُم"
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

 
captcha