
الشَّحناء: امتلاء النفس بالعداوة والبغضاء. والمِراءُ: الجِدال، واللَّجَجُ مع الغير. وقيل: الطعن في كلام الغير لإظهار خَلَلٍ فيه، وذلك بقصد تحقيره، وتصغير شأنه.
وعلى أي من التعاريف فإن الإكثار من المِراء والجدال يؤدي إلى شحن النفوس بالبغضاء والعداوة، وهما يُفسدان العلاقة بين الطرفين أو الأطراف، ويؤديان إلى القطيعة، وتكون عاقبتهما وخيمة على الطرفين.
وبحق أقول: إن إنسان اليوم صار يعيش على المراء، ويقضي معظم وقته في المِراء. تراه مع والديه مُمارياً، ومع أولاده مُمارياً، ومع زوجه مُمارياً، هذا في العالم الواقعي، أما في العالم الافتراضي فحَدِّث ولا حرج، ففي مواقع التواصل لا تجد حواراً، ولا استعداداً لفهم الآخر، ولا تَفَهُّمه، ولا التفاهم معه، وهكذا في القنوات التلفزيونية التي تُبدع في إنتاج البرامج السياسية أو الاجتماعية والتي تقوم على المُماراة، تراها تستضيف مختلفين في الرّأي لا بقصد أن يتحاوروا ويصلوا إلى الحقيقية، بل بقصد أن يُماري بعضهم بعضاً، الجِدال نفسه هو الهدف، المواجهة نفسها مطلوبة، لأنهما يستثيران الأطراف المتجادلين فتصدر من هذا مواقف قاسية تجاه ذاك، أو يتمكن ذاك من إسكات هذا، والمشاهدون بين من ينحاز لهذا أو ينحاز لذاك، وقد يتفاعلون في انحيازهم إلى مواقف المُتمارين المتجادلين إلى درجة اختلاق المشاكل وإثارة النزاعات على الأرض، وقد تؤدي إلى زعزعة السلم الاجتماعي. والمستفيد من هذا كله القناة التلفزيونية نفسها التي تستقطب المشاهدين.
المراء هو الشائع بين المتعصبين للمذاهب والأديان
أما بين المتحزبين لأحزابهم، أو المتعصبين لمذاهبهم وطوائفهم وأديانهم، فَقَلَّ أن تجد اثنين يتحاوران بقصد فهم الآخر أو الوصول معه إلى فهم مشترك، أو بناء علاقة إنسانية أخلاقية، المِراء هو الشائع بينهم، فأتباع هذا الدين يُحَقِّرون دين الآخر ويحقرون أتباعه، وأتباع ذاك الدين يفعلون ذات الشيء، وأتباع هذا المذهب يكفرون أتباع المذهب الآخر والعكس صحيح، ولا يُبدي أيٌّ منهم استعداداً للحوار العلمي الرصين، إلا ما ندر.
وهكذا الحال في العلاقة بين الزوجين قَلَّما تجد زوجين يتحاوران بهدوء ولُطف، ورَوية وصَبر، وتفَهُّم، ونية الوصول إلى التفاهم، إنما هي المماراة ولا شيء سواها، كلٌ يَلجُّ على فكرته ويصمد على رأيه، ولا يبدي أدنى استعداد حتى للوقوف على وجهة النظر الأخرى. هو يريد أن يثبت ذاته أمامها، وهي تريد أن تثبت ذاتها أمامه، هو يريد أن يكون الحاكم المطلق الذي لا يُرَد له قول، وهي تريد أن تنتزع منه ذلك وتكون بديلاً عنه، وبحق أقول: من خلال خبرتي الاجتماعية الطويلة ومعرفتي بالكثير من النزاعات الزوجية والأسرية وجدت الجدال العقيم مسؤولاً عن كثير من حالات الطلاق.
لقد جاء في الروايات الشريفة النهي عن المِراء والمُماراة، وأَنَّ المُؤمن لا يُماري، لأنه يطلب الحق ويبحث عنه فإذا ظهر له حمله ومضى، فهو لا يدخل في جدال لمجرد الجدال إنما يحاور قاصداً الوصول إلى الحقيقة وحسب، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "ذَروا المِراءَ فإنَّ المؤمنَ لا يُماري، ذَروا المِراءَ فإنّ المُماري قد تَمَّت خَسارَتُهُ".
وذكرت الروايات الشريفة بَعضاً من العواقب الوخيمة للمراء، فذكرت أنه سَبَبٌ للشَّحناء والإحَنِ والبغضاء، وسبَبٌ لِتَلَقّي الشتيمة له أو لعرضه، وأنه يبذر الشَّرَّ، ويُميت القلب، ويُحبط العمل، ويأكل الحسنات، ويُذهِبُ البَهاء، ويُفسِدُ الصداقة القديمة المتجَذِّرة، ويوقِع في الخطأ، ويُعمي عن الحق. وجاء عن رسول الله (ص): "لا يَستَكمِلُ عَبدٌ حَقيقَةَ الإيمانِ حتّى يَدَعَ المِراءَ وإن كانَ مُحِقّاً".
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: