ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

سُنَّةُ اللِّئامِ الجُحودُ

23:26 - November 18, 2023
رمز الخبر: 3493492
بيروت ـ إکنا: اللَّئيم يغدر، ويفجر، ويكذب بوعده، وينقض عهده، ويُسيءُ الجوار، ويغتاب الأخيار، وينطق لسانه بالسَّبِّ والشَتم والفاحِش من القول، فليس عنده شيء يستحي منه، حتى ولو كان عاراً وشَناراً.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "سُنَّـةُ الْلِّئَام الْجُحُـودُ".
 
تلك هي عادة اللئام الجحود والإنكار. إنكار الفضل، والنعمة، والإحسان، والخير، لا يرون لأحد عليهم نعمة، لا الله تعالى ولا عباده.

تراهم يقولون: ماذا أعطانا الله، وماذا رزقنا، وإنهم لا يغفلون عن رزقه لهم، يعرفون أن كل ما لديهم من الله، وجودهم منه، وحياتهم منه، وبقاؤهم بإرادته، وكل ما تناله أيديهم من فيضه، ولكنهم يحسبون أنهم يستحقون أكثر من ذلك، لا يرضيهم كل ما وهبهم الله، يريدون المزيد والمزيد. ولعل الكثير منهم يسخَطون عليه والعياذ بالله.

وبعض آخر يجحد أن يكون ما في يديه من النعم والأرزاق والعلم والمعرفة من الله، فينسبه إلى نفسه، وأنه ناتج عِلْمِه ومعرفته، وناتج سَعيه وكَدِّه، وتراه يُرَدِّد تلك المَقولة القارونية: "...إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي".

ويغفل أو يتغافل عن أن الله لو أراد أن يمنع عنه الهواء والماء وأن يسدَّ عنه أبواب العلم والمعرفة، بل أن يمنع عنه الحياة بأسرها فلن يستطيع لذلك طَلَباً، ولعجز عن الظفر بشيء منه. وإنه لعَمىً في القلب، وتشوش في البصيرة، وضلال فكري رهيب، واعتداد أجوف بنفس أصل وجودها وبقائها من الله تعالى.

وبعض يُنكِر ما تفعله وتُسديه إليهم من خَدمات ومَعونات وعطايا ومكرمات، وما تبذله من أجلهم ولو كان عظيماً جسيماً، ولو أنك ملأتَ خزائنهم من الذهب والألماس، ووقفتَ نفسك على خدمتهم، وعشتَ حياتك تُحسِنُ إليهم لأنكروا ذلك وأظهروك بخيلاً شحيحاً ويدك مغلولة إلى عنقك تمسك بها عن العطاء، وأنك لم تفعل لهم شيئاً يُذكر.

وبأَسَف أقول: ما أكثر الذي يجحدون عطاء الناس لهم، الجحود اليوم يكاد يكون هو الأصل، وإنكار معروف أهل المَعروف شاع وفشا حتى ليكاد أن يكون سِمَة من سِمات أهل زماننا، إنك لتجد الزوج جاحداً معروف زوجه، والولد جاحداً تضحيات والديه، والأخ منكراً عون أخيه، والطالب جاحداً عطاء مُعلمه، وعدِّد ما شِئْتَ.

وليت الأمر يقف عند هذا الحدّ، بل تعداه إلى جحود أعظم العطاء وأنبل الخدمات، إنك لتجد من يجحد عطاء الدَّم وهو أغلى وأعظم ما يمكن أن يقدمه الإنسان لسواه من الناس، فهو الإيثار في أرقى مصاديقه، فقد تُؤْثِر شخصاً بمالك، أو بيتك، أو متاعك، أما أن تُؤثِرَه بالحياة فتموت دونه، تموت لتدفع عنه الأذى، وتموت ليعيش هانئاً كريماً فليس فوق هذا الإيثار إيثار، وكما قال رسول الله (ص): "فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بِرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِرٌّ".

اللَّئيم يغدر، ويفجر، ويكذب بوعده، وينقض عهده
 
ورغم ذلك ترى الجاحدين والمنكرين لهذا البِرِّ والفضل والإيثار، ولَيْتَ الأمر يقف عند هذا الحد بل ترى البعض مِمَّن أعمت الأحقاد قلوبهم يعاملون المُضحّي والمُؤْثِر على نفسه باللّؤم، ويعينون عليه، ويسُرُّهم كل ما يُحزِنُه ويَسوؤه، وهذا طبع اللئام.

واللَّئيم يغدر، ويفجر، ويكذب بوعده، وينقض عهده، ويُسيءُ الجوار، ويغتاب الأخيار، وينطق لسانه بالسَّبِّ والشَتم والفاحِش من القول، فليس عنده شيء يستحي منه، حتى ولو كان عاراً وشَناراً.

يهادنك إن كان ضعيفاً، فإذا قوِيَ وتَمكَّن أظهر ما يُكِنُّه في نفسه من حِقد وغِلٍّ وتوحُّشٍ، ولا حدَّ لسوئه وظُلمه، إذا أعطيته جَحدَ عطائك وأنكره، وإذا أعطاك القليل كَبَّره وعظَّمه وظَلَّ يَمَنُّ به عليك، وأفضل معروف ترجوه منه أن يمنع أذاه عنك. فما أسوأ من اللؤم إلا اللؤم، بهذا وصفه أمير المؤمنين (ع) إذ قال: "اللَّئيمُ لا يُرجى‏ خَيرُهُ، ولا يُسْلَمُ مِن شَرِّهِ، ولا يُؤمَنُ مِن غَوائلِهِ". وقال: "اللَّئيمُ إذا أعطى‏ حَقَدَ، وإذا اُعطِيَ جَحَدَ".

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha