ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الجَهل يُغَيِّب إنسانية الإنسان

16:47 - December 09, 2023
رمز الخبر: 3493758
بيروت ـ إکنا: إن الجَهل يُغَيِّب إنسانية الإنسان، ويمنعه من التكامل فيها، ويجعله مَيْتاً وإن كان يأكل ويشرب، فهو جسدٌ لا روح فيه، وهذا ما نَبَّه إليه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: "الجَهْلُ مُمِيْتُ الأَحْيَاءِ ومُخَلِّدُ الشَّقاء"

روِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "شَرُّ مَنْ صاحَبْتَ الْجاهِلُ".

ولا يختلف عاقلان في أن للصحبة آثاراً خطيرة على الإنسان، فالصاحب يؤثِّر في صاحبه إيجابياً أو سلبياً، فالطباع كما الأمراض المعدية تنتقل من شخص إلى شخص آخر، وقد قيل: الطَّبعُ يَسرِق منَ الطَّبع.

وقد يحدث أن تجمع الظروف بين شخص وشخص فيتصاحبان، فإن كانا متوافقَين في الطبع، فإن الصحبة بينهما تدوم وتدوم، وقد يكون أحدهما أقدر من الطرف الآخر على التأثير فيه فيُعديه بطباعه، ويجتذبه إليه، فإن دامت صحبتهما فذلك دليل على انسجامهما الفكري والنفسي وتوافقهما في الطباع والصفات.

ولهذا جاء عن رسول الله (ص) قوله: "المَرءُ على‏ دِينِ خَلِيلِهِ، فَليَنظُر أحَدُكُم مَن يُخالِلُ" وعنه أيضاً: "اختَبِرُوا الناسَ بأخدانِهِم؛ فإنّما يُخادِنُ الرَّجُلُ مَن يُعجِبُهُ نَحوَهُ". ورُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَصْحَبُوا أَهْلَ الْبِدَعِ وَلَا تُجَالِسُوهُمْ فَتَصِيرُوا عِنْدَ النَّاسِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ص): "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ‏ خَلِيلِهِ‏ وَقَرِينِهِ".
 
فإذا كان الأمر كذلك فحَرِيٌّ بالعاقل أن يتحرَّى عن الصاحب العالِم العاقل المؤمن الخَلوق، الذي هذَّب نفسه، وحَرِيٌّ به أن يجتنب صُحبة الفُجّار، والكفَّار، والفُسَّاق، وأهل السُّوء، والمُنحرفين، والظَّلَمَة، والحَمقى، والجَهَلَة، والأغبياء، والكُسالى، والمُحبَطين، واليائسين، فإن صحبتهم شَرٌّ بلا ريب، تضرّ ولا تنفع، وتجلب على صاحبها العار، والشَّنارَ، والسُّمعة السَّيِّئة.

والإمام أمير المؤمنين (ع) يُحذِّر في جوهرته الكريمة من صحبة الجاهل، ويعتبرها شَرَّ صحبة قياساً بغيرها، لأن الَجهل سبب لكل شَرِّ.

والجهل ليس مقابل العلم، بل مقابل العقل، فإن العلم يجتمع مع الشَّرِّ، أما العقل فيأباه، العقل لا يكون معه كفر، وجحود، وفِسق، وسَفَهٌ، وانحراف، وضلال، وكَسَل، وإحباط، ويأس.

العقل لا يكون منه إلا الخير دائماً، العقل داعية الخير، ولا يكون منه إلا الخير، فإذا وجدنا شخصاً لا يركب مركب الخير فهذا كاشف عن حُمقه، أو تَحَكُّم الشيطان فيه، وهذا ما قاله الإمام جعفر الصادق (ع) وقد سُئِلَ: مَا الْعَقْلُ؟ قَالَ: "مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمَنُ وَاكْتُسِبَ بِهِ الْجِنَانُ".  قَالَ قُلْتُ: فَالَّذِي كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ: "تِلْكَ النَّكْرَاءُ، تِلْكَ الشَّيْطَنَةُ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالْعَقْلِ".

فالجَهل من أخطر الصفات وأذَمِّها، وهو داء خطير يعُسُر علاجه، ولو تأملنا ما ينتج عنه من مخاطر ومخازي وانحدار ومساوئ لوجدناه يشمل كافة المجالات المعرفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية، ولوجدنا الشخص الجاهل في آخر القائمة الإنسانية، بل لوجدناه عنصراً خطِراً على الإنسانية كلها، خصوصا إذا ما أتيحت له سلطة، أو كان في يده قدرات.

فالجاهل لا يعرف قَدْرَه، ولا يُقَدِّر ذاته، ولا يُمَيِّز بين ما يَضُرُّه وما ينفعه، ولا يؤدي أعماله على الوجه المطلوب، يتبع هواه، وتستعبده شهواته، وتزِلُّ قدمه، ولا يَرِثُ إلا النَّدم والخُسران.

الجَهل يُغَيِّب إنسانية الإنسان، ويمنعه من التكامل فيها، ويجعله مَيْتاً وإن كان يأكل ويشرب، فهو جسدٌ لا روح فيه، وهذا ما نَبَّه إليه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: "الجَهْلُ مُمِيْتُ الأَحْيَاءِ ومُخَلِّدُ الشَّقاء" فمثل هذا لا ينبغي أن يُصاحَبَ أو يُصادَق.

إن صحبته تجلِب إليك التَّعَب والنَّصَب، ثم تصير مَحسوباً عليه ومَحكوماً بحكمه، ولهذا قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "صَدِيقُ الجاهِلِ مَتعُوبٌ مَنكُوبٌ" وعنه (ع) أنه قال: "صُحبَةُ الأحمَقِ عَذابُ الرُّوحِ" وكان مما أوصى ابنه الإمام الحَسَن (ع): "يا بُنَيَّ، إيّاكَ ومُصادَقَةَ الأحمَقِ، فإنّهُ يُرِيدُ أن يَنفَعَكَ فَيَضُرُّكَ".
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha