ایکنا

IQNA

جواهر علوية....

العُجبُ يُهلك دين المرء

17:09 - December 04, 2023
رمز الخبر: 3493693
بيروت ـ إکنا: للعُجب مساوئ خطيرة، وأضرار مُهلكة، إنه يُهلك دين المرء، ويُهلك أخلاقه، ويسبب له الفشل في علاقاته الاجتماعية، ويمنعه من النجاح في الكثير من أعماله، وإنه لَيُعَمِّق الأنانية وتضخيم الذات، ويؤدي إلى تكبر المرء وتجَبُّره على الناس.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "سَيِّئَةٌ تَسُوؤُكَ خَيرٌ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ".
 
كيف نفهم ما جاء في هذه الجوهرة الكريمة. إن الدين بل العقل يقرران أن الحَسَنة خير من السَّيِّئة، والطبع البشري يرغب بالحَسَنَة لأنها تُسُرِّه، وينفر من السَّيِّئة لأنها تَسوؤه، فكيف تكون هذه خيراً من تلك؟
 
الأمر هنا لا صِلة له بالسيئة بما هي والحسنة بما هي، بل له صِلة بما ينتج عن هذه وتلك من آثار في نفس الفاعل، ويقوم على قاعدة دفع الأسوأ بالأقل سوءاً، والأسوأ هنا هو العُجْبُ، وهو استعظام الإنسان نفسه، والإعجاب بخصاله، أو أعماله، أو مستواه العلمي، أو منزلته الاجتماعية، فيعتقد أنه حائز على كل محمود من الصفات، وأن الذي يفعله عظيم، وأنه يستحق عليه المدح والثناء.

والعُجبُ مرض نفسي مُهلِك، وصفة مذمومة مُنَفِّرة، وهو ككثير من الرذائل الأخلاقية ينشأ من ضِعَة النفس ومَهانتها وذلَّتها، وفساد العقل، كما يقول علماء الأخلاق، وقد نهى الإسلام عن العجب، وكشف عن أنه من أهم حبائل الشيطان التي إن تمكنت من الإنسان أهلكت دينه وأهلكته.

وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) في كتابه للأشتر النَّخعي لمّا وَلَّاه مِصرَ: "إيّاكَ والإعجابَ بِنَفسِكَ، والثِّقَةَ بِما يُعجِبُكَ مِنها، وحُبَّ الإطراءِ، فإنَّ ذلِكَ مِن أوثَقِ فُرَصِ الشَّيطانِ في نَفسِه، لِيَمحَقَ ما يَكونُ مِن إحسانِ المُحسِنينَ".

ومن أسوأ مظاهر العُجب أن يمنِّ على الله بعمله، ويتخيل أن الدين قد قوي بأعماله وعباداته، ويتدلل على الله ويرى نفسه محبوبا لله، وله عنده الحظوة والمنزلة، وقد يرى أن له على حقاً وأنه مستحق للإكرام منه تعالى، ويرى نفسه متميِّزا عن الناس، بل متميزا حتى عن المؤمنين.

وكما يكون العُجب بالمكارم والفضائل كذلك يكون بالرذائل والمساوئ، وكما يُعجَب المؤمن بإيمانه كذلك يُعجَب الفاسق بفسقه، والمفسد بفساده، والماكر بمكره، والكذاب بكذبه، والداهية بدهائه، ويعتبر ذلك ذكاء وفِطنة وينطبق على هذا وذاك قوله تعالى: "أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا..."﴿فاطر/ 8﴾.

وللعُجب مساوئ خطيرة، وأضرار مُهلكة، إنه يُهلك دين المرء، ويُهلك أخلاقه، ويسبب له الفشل في علاقاته الاجتماعية، ويمنعه من النجاح في الكثير من أعماله، وإنه لَيُعَمِّق الأنانية وتضخيم الذات، ويؤدي إلى تكبر المرء وتجَبُّره على الناس، فينفر الناس منه ويمقتونه ويبغضونه، وينفضّون عنه، ويأنفون التعامل معه، إنه لَيُظهر نقائصه وعيوبه، ويعميه عن أخطائه، فلا يعمل تتميم نقائصه ومعالجة عيوبه، فلا يتقدم ولا يتطور، بل يكون في تراجع دائم وتقهقر في مختلف أحواله، وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "مَنْ دَخَلَهُ العُجْبُ هَلَكَ". 

بعد هذا البيان اتضح لنا مراد الإمام (ع) من قوله: "سَيِّئَةٌ تَسُوؤُكَ خَيرٌ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ" فالسيئة والذنب الذي يَسوء صاحبه فيؤدي به إلى الندم، فيرى نفسه مُقصِّرا، قد تجرّأ على الله وحرماته، ويدعوه إلى التوبة وإصلاح ما فاته، فذلك خير له من الحَسَنَة التي تدعوه إلى العُجب القاتل.

وجاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إنَّ الرَّجُلَ لَيُذنِبُ الذَّنبَ فيَندَمُ عَلَيهِ، ويَعمَلُ العَمَلَ فَيَسُرُّهُ ذلِكَ، فَيتَراخى‏ عَن حالِه تِلكَ، فَلأنْ يَكونَ عَلى‏ حالِهِ تِلكَ خَيرٌ لَهُ مِمّا دَخَلَ فيهِ" .

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha