وأجرت مراسلة وكالة "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية في لبنان، الإعلامية "ريما فارس"، حواراً مع الدكتور سماحة الشيخ "محمد أحمد حيدر"، عضو تجمّع العلماء المسلمين في لبنان ومعاون مفتي محافظة كسروان وجبيل ومدرّس حوزوي.
بدايةً سئل سماحة الشيخ محمد حيدر عن عيد الغدير وأهميته تحديداً عند الشيعة؟ وكيف تمت هذه الحادثة؟
أجاب: في ١٨ من ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة النبويّة الشريفة حينما كان النبي المصطفى صلى الله عليه وآله قافلاً من حجّة الوداع وفي طريقه إلى المدينة المنورة، وحيث وصل إلى منتصف الطريق بجوار ماء يُدعى غدير خم، وهي أرض تصلح لاجتماع الناس من حوله فيها بضع شجرات ونخيل. عند الظهيرة بالتحديد، في أوج النشاط وذروة اليقظة، أمر الحبيب المصطفى بالنداء لصلاة جامعة، فتحلّق الصحب من حوله ينتظرون أمراً جللاً. صلّى بهم ورقى المنبر وعليّ إلى يمينه وخطب بصحبه بأعذب كلام وأجمل أسلوب، مذكّراً ومنذراً وبشيراً. هذا الحدث وتلك الخطبة متواتران في كتب المسلمين. ومما ورد في خطبته بيان أنها أمر إلهيّ بنصّ آية من الذكر الحكيم في سورة المائدة، حتى أشهدهم ثلاثاً أنه أولى بهم من أنفسهم. بعد إقرارهم ثلاثاً على التوالي، أوصاهم بكتاب الله تعالى والعترة الطاهرة، ثم أخذ بيد عليّ عليه السلام ورفعها وقال صلوات ربي وسلامه عليه وآله: "من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه." ومن لطيف قول الواقديّ بتصرّف: "إنّ القرآن معجزة الله تعالى، أما معجزة محمّد صلوات ربي وسلامه عليه وآله فهي عليّ عليه السلام." هذه المنزلة الرفيعة التي منحتها السماء لمولى المؤمنين وأميرهم علي بن أبي طالب عليه السلام كانت جدارة استحقاق لعظيم ما بذله من جهد وجهاد بليغين في طريق الدعوة والدفاع عن الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة.
وفي السؤال عن كيف استُخدمت حادثة الغدير في الحوارات العقائدية بين الطوائف الإسلامية؟
قال سماحة الشيخ محمد حيدر: أما طوائف المسلمين، فهم على الحقيقة امتازوا أصنافاً في تناولهم من نبع هذا المشهد العظيم الذي لا ينكر إلّا جاحد نزر يسير قليل. ولكن الأمثل من تلك الأصناف صنف أنصف فسلّم تسليماً بموجبات تلك الواقعة العظيمة ولاية وطاعة وحبًّا ومودّة واتباعاً واقتداءً وتأسّياً. فهم فهماً قطعياً غير منقوص أو منكوس بأن ولاية عليّ عليه السلام إنّما هي امتداد لولاية النبيّ الأكرم محمّد صلوات ربي وسلامه عليه وآله، والتي هي بدورها امتداد لولاية الله سبحانه وتعالى. ذلك الفهم نابع من عبارات المصطفى صلى الله عليه وآله: "إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه."
وأضاف قال تبارك وتعالى: "ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين." ليت هذا الخلاف تبدّده أنوار هدي الله لتلتحم الأمّة صفاً كأنّهم بنيان مرصوص مرصوف، أو ليت خلافهم في تناول الموضوع لا يشوبه نزاع يُذهب ريحهم ويؤدّي إلى فساد وحدتهم وتشظّي لحمتهم وتبديد قوّتهم وانجراف مسيرتهم إلى حيث ينهى سبحانه. ورغم البين في الموقف، إلا أن الجمع الغفير استفاد من الموقعة العظيمة بالحد الأدنى، عظيم قدر العترة الطاهرة وعليّ في طليعتها مقاماً وإماماً وأميراً للمؤمنين سلام الله عليه.
وعن الأهمية التي توليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعيد الغدير في سياستها الثقافية والدينية، وكيف تُعزز هذه المناسبة من الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي؟
كان رد سماحة الشيخ محمد حيدر: إنّ الله تبارك وتعالى امتحن الناس... "أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون." الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله في خطبته تلك وسواها ذكّر الأمّة بأهل بيته الأطهار وأوصاهم بهم خيراً ثلاثاً، كأنّما يشير إلى الامتحان الأدهى والأعظم. الجمهورية الإسلامية المظفّرة تريد للأمة أن تنجح في عبور الامتحان لتصل إلى برّ أمانها وحدة واحدة متّحدة. فالجمهورية الإسلامية رائدة الوحدة الإسلامية ومبعث افتخارها، ولا تريد للأمة أن تتشرذم بعيداً عن نور الحقّ الساطع الأبلج، بل تريد لها أن تجتمع على حياض المصطفى وعلى المحجّة البيضاء من خلال حوار هادئ يستجلي علامة الضوء في حلك الدروب. الجمهورية تحاول على الدوام وتسعى لثني المغرضين الذين يتطرّفون يميناً ويساراً على غير هدى، ليثيروا غباراً ونار فتنة لا تبقي ولا تذر، خدمة لأعداء الله ورسوله والرسالة من حيث يشعرون أو لا يشعرون من خلال مواقف غير واعية وغير هادفة. الجمهورية تبذل الجهد المضني من أجل جعل منارة الغدير النبوي العلوي شعاعاً يُهتدى به لجمع شتات أمّة أثخنتها الجراح، ولا التئام لجراحها إلا بطهر كلام الله وعذب كلام رسوله صلوات ربي وسلامه عليه وآله، ومنه ما جرى على لسانه الشريف بأمر الله تعالى في هذا المشهد العظيم أمام جمهور الأمّة حينها في محطة غدير خم وتلك البيعة لوليّ الله الأعظم بعد الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وآله.
وعن إذا كان هناك آيات قرآنية تُشير إلى حادثة الغدير وتُستند عليها للاحتفال بعيد الغدير؟
قال سماحة الشيخ محمد حيدر: إنّ ما سقناه سابقاً وما نسوقه الآن بلغ حدّ التواتر في تراث المسلمين قاطبة. إنّ هذا المشهد العظيم في اليوم العظيم قبيل التحاق رسول الله صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى، شاهداً وشهيداً، إنّما كان امتثالاً لأمر السماء. وكتب الحديث والتفسير وغيرها تشهد بذلك. مشهود معلوم أنّ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله استوقف الجمع الغفير يوم غدير خم بعد نزول جبرائيل عليه السلام بقول الله تعالى من سورة المائدة: "يا أيها الرسول بلّغ..." وبعد البلاغ والتبليغ، نزل جبريل بقول الله تعالى من المائدة: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً." وحين اعترض معترض نزل به الآي حيث قال تبارك وتعالى: "سأل سائل بعذاب واقع." تناول الغدير بعقل واع وقلب وادع يفتح العيون على علامة الضوء المشيرة دوماً إلى نجد الخير والوحدة واللحمة والصلاح والفلاح والنجاح والنجاة. ختاماً نسأل الله تعالى أن يعيده على الأمة وهي تخوض غمار وحدتها تحت راية الولاء الأصيل لله ورسوله وأولي الأمر الذين ارتضاهم الله ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وآله.