ایکنا

IQNA

إيران الإسلامية وقوة التفاوض السلبية

12:10 - April 28, 2025
رمز الخبر: 3499915
بیروت ـ إکنا: طالعنا الإعلام مؤخراً أن وزير خارجية إيران وقع كتابه في مسقط تحت عنوان "قوة التفاوض"، وكان لهذا التوقيع صداه المحلي والعالمي،لما يوحي به عنوانه من تصميم وإرادة على إنجاح المفاوضات النووية مع أمريكا.

طالعنا الإعلام مؤخراً أن وزير خارجية إيران وقع كتابه في مسقط تحت عنوان "قوة التفاوض"، وكان لهذا التوقيع صداه المحلي والعالمي،لما يوحي به عنوانه من تصميم وإرادة على إنجاح المفاوضات النووية مع أمريكا! ومما هو معلوم أن إيران،كما صرّح بعض خبراء السياسة الإيرانية في البرلمان،كانت تفاوض قبل وصول الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى السلطة،ما يؤكد لنا عزيمة السياسة الإيرانية على تحقيق الإنجاز النووي وفق المصالح الإيرانية! 

فإيران لم تتوقف عن المفاوضات منذ إلغاء الإتفاق النووي السابق، وكثيرون هم الذين يعتقدون في إيران أن الدبلوماسية يمكنها إحداث اختراقات هامة في الملف النووي، قناعةً منهم أن قوة التفاوض الإيرانية لها باع في الصبر الإستراتيجي، ويمكن أن تشكّل بديلًا  يمنع الحرب، ويحقق المصالح الحيوية،وهذا ما يسوّغه الإسلام بزعمهم، ويدعو إليه على قاعدة استنفاد كافة الوسائل الممكنة والمتاحة لتجنب الحروب في الإقليم والعالم!

ولكننا ورغم حرصنا الشديد على ذلك، نرى أن إيران كانت تفاوض دائمًا، وخصوصًا منذ طوفان الأقصى، فهي لم تتوان في سعيها لتجنب الحرب،وكم كان الوزير عبد اللهيان(رحمه الله) وزير خارجية إيران السابق ساعياً لعدم توسعة الحرب في المنطقة! وقد شهد له بذلك أرباب السياسة في عمله الدؤوب للحيلولة دون دخول المنطقة والعالم في النفق المظلم!


إقرأ أيضاً:


فإيران كما أسلفنا كانت تفاوض على وقع المجازر في غزة فلسطين، ولبنان، واليمن،وهي رغم إيمانها القوي بذلك،وحرصًا على المصالح العليا،لم تكن على قوة تفاوضية مشهودة،بل كانت تتلقى الضربات الموجعة في داخل إيران وخارجها،وكلنا يذكر تصريح الرئيس الإيراني "بزشكيان" عن ما كانت تمارسه أمريكا من خدع سياسية ماكرة لاستمرار الحرب، وإفساح المجال أمام الكيان الصهيوني لتحقيق إنجازاته في الحرب ضد فلسطين ولبنان،ولا زلنا حتى يومنا هذا نسمع عن قوة التفاوض على وقع الأكاذيب الأمريكية بأنها لا تريد الحرب،ولا تسعى إليها!

 فأمريكا منذ اغتيال القائد الشهيد سليماني،ومرورًا باغتيال قادة محور المقاومة، سواء كان هذا الاغتيال في الداخل الإيراني أو خارجه، لم تتردد في إعلان مزاعمها وحرصها على أمن المنطقة وهذا ما كان ينعكس إيجابًا على السياسة الإيرانية،ويجعلها تندفع باتجاه التفاوض مع أمريكا!

وإذا كانت إيران قد واجهت بوعودها الصادقة، فإن فعلها هذا لم يكن من خارج دائرة التفاوض،بل كان ذلك منها سراً تفاوضياً عجيباً حال حتى اليوم دون الرد على العدوان الصهيوني، الذي استهدف بعض القواعد في الداخل الإيراني، وكانت النتيجة الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين في ما أعلن عن وعد صادق ثالث!

نعم، إن قوة التفاوض مع الشيطان الأمريكي ليس من القوة في شيء، بل هو عين الضعف، لما تعلمناه من دروس ثورية أن الشيطان يغدر ويفجر، ولا يمكن اتباع خطواته أو الاستماع لمطالبه،كيف،لا وهو في قاموس ثورتنا الشيطان الأكبر الذي لا يمكن الاطمئنان إلى مفاوضته إلا في حدود ما تسمح به الحقوق والمصالح الاستراتيجية،وإذا كان زعم قوى التفاوض في إيران أنها لا تتجاوز هذه المصالح، فقد بان لكل ذي لب وخبرة سياسية،أن هذا الشيطان العائم على بحر المكر والخديعة،يفاوض على وقع التخريب والاغتيال في الداخل الإيراني!

لقد انكشفت لنا سياسات التفاوض وقوتها في ما ترافقت معه من تصريحات إيرانية متضاربة، فهي تارة تعلن حصرية التفاوض حول النووي، وطوراً حول وجود خلافات تفصيلية في بنود التفاوض ومجالاتها! فقوة تفاوض الوزير المعظّم لم تخفِ قلقها من تضارب التصاريح في مركز القرار الأمريكي، وقد عقدت حتى اليوم جولات تفاوضية ثلاث من دون استقرار الموقف على أدنى إيجابية لا في الدائرة الأمريكية، ولا في الدائرة الإيرانية!

ونحن إزاء هذا التعارض في المواقف،لا يسعنا إلا استحضار كل مراحل التفاوض منذ طوفان الأقصى حتى يومنا هذا، إذ لا زلنا نترقب الخديعة الأمريكية على وقع المجازر في غزة واليمن ولبنان! فهذا كله يؤشر لنا عن حقيقة المسعى الأمريكي لسلب إيران كل وسائل قوتها وردعها لحماية الكيان الصهيوني!

ولعلنا لا نستعجل الموقف في الحكم على ما تعرّضت له إيران من تخريب في بندر عباس في لحظة تفاوضية حرجة في مسقط!فأمريكا ليست مستعجلة على أمرها، طالما هي تمارس كل عدوانيتها في لحظة ما تسميه إيران بالقوة التفاوضية! دعونا نخاطب الدبلوماسية الإيرانية، لنقول لها: إن القوة التفاوضية كانت ولا تزال كامنة في الصبر على الأزمات الاقتصادية، والخروج من المفاوضات الشيطانية، فالمؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، فكيف بكم وقد أصبح اللدغ الشيطاني مهارةً في بلادكم،وأمام عزة ثورتكم،وقوة بأسكم!

إن ما تسمونه بقوة التفاوض، وتطرحونه كنظريات في كتبكم، ليس له متسعٌ في العقل الشيطاني، وقد جربتم هذا الشيطان الفرعوني في تاريخكم الثوري، ويكفي تدبّراً في ما أحدثه الأمريكي لكم من بلاءات! فلم يعد مسوّغاً لخبراء السياسة في إيران إعادة التجربة بعدما اكتملت أمامها عقلية التجارب،كما قال الإمام علي(ع):"العقل هو حفظ التجارب، وخير ما جرّبتم ما وعظكم…".

فإيران اليوم ليست على قوة في التفاوض، وإنما هي على ما بدا لنا أنه ضعف في الموقف تحت ضغط الأزمات الداخلية! وهذا ما ينبغي على الشعب الإيراني المسلم تلافيه انطلاقًا من وعود الله تعالى للمؤمنين بأن النصر حليفهم فيما لو صبروا واتقوا، فكل شيء محكوم لإرادة الله تعالى، فلا يطلب من الشيطان أن يكون ضامناً للاتفاق معه!

كما لا يُطلب من الفرعون أن يرعوي في لحظة قوته وجبروته! فمن كان مؤمناً بمعجزات الله تعالى، فليتخِذ من الإيمان قوة له في الصبر على مشاق الحياة، ولتكن قواه الذاتية سبباً للفوز والنصر،تماماً كما أخبرنا الله في كتابه العزيز أن الكفر العالمي ليس قدراً على أحرار الأمة،وإنما هو مأخوذٌ بقوة الله،كما قال تعالى:"أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم،دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها..".والسلام.

بقلم رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان " أ.د.فرح موسى"

captcha