
وقال الطاغي الأمريكي"ترامب" في تعليقه على قصف إيران بالصواريخ الأمريكية: "على إيران أن تسرع الخطى في قبول الشروط الأمريكية قبل أن ينتهي كل شيء وتأفل الأمبراطورية الإيرانية..!؟".
هكذا،هو حال الطغاة دائمًا،فهم يعتادون على صناعة الموت، فيظنون أنهم لا يموتون،أو لا يأفلون! فلو كان هذا الطاغي واعيًا بحركة التاريخ، ومستوعبًا لحاكمية السنن،ومستلهمًا لتجارب البشر،لما كان أُخذ بغرور نفسه،وجنون عظمته!،ولكان اتّعظ بتجارب مَن سبقوه، وطامن من كبريائه في ضوء ما عايشته أمريكا من تحولات،وأقدمت عليه من حروب،وآلت إليه من هزائم!ويكفي تدبّرًا بحروب أمريكا منذ الحرب الفيتنامية وإلى يومنا هذا…!؟
إنه الطغيان الذي يعمي القلوب، ويتجاوز كل الحدود، ويأخذ إلى المزيد من الموت في طريق العدوانية على الشعوب.!؟فأمريكا في أجواء بروق المطامع، وطغيان المصالح، وفورة الماديات وعلوم الجماد،خسرت الكثير من المدارس والمناهج النفسية،والاجتماعية،والإنسانية،وإن كانت تزعم الديمقراطية والحرية،وقيم الحق والعدالة،!
إقرأ أيضاً:
فهي لم تعد تهتم لعلوم الحياة،كما رأى"ألكسس كارل"،منذ قرن من الزمن،ولا بفلسفات الأخلاق والجمال لفلاسفة أمثال"جوديث بتلر"،"وآرثر فاين"،"وآرثر دانتو"،"وجون ديوى"،وغيرهم الكثير،بل رأينا أمريكا الطاغية تستبدل هؤلاء بمعاهد بحوث ودراسات النفاق والتكاذب العلمي،التي عبر عنها"هانتغتون"،في صدام الحضارات،"وفوكوياما" في نهاية التاريخ مع الليبرالية الغربية،"وبرنارد لويس" العنصري !
وهكذا،فإن أمريكا لم يعرف عنها تاريخيًا أنها اغتنت بفلسفات الحياة والجمال!ولهذا،نجد الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتجاهل كل المعايير الإنسانية،وتتعصّب للعرق الأبيض،وتنتج جاهلية النظرة المادية للإنسان والكون والحياة!،هذا فضلًا عن افتعالها للحروب بهدف الهيمنة والاستعمار وسرقة أموال الشعوب المقهورة،كما هو حالها مع العالمين العربي والإسلامي!
فالرئيس الأمريكي يدعو إيران إلى الخضوع والاستسلام،وكلامه يأتي في سياق ما اعتادته أمريكا من صلف وكبرياء،مهدّدًا ومتوعدًا لإيران بالموت والهزيمة!
ولربما من الإنصاف القول:إن أمريكا عادت لتغامر في حربها الأخيرة ضد إيران،وكأن العالم يخلو من مراكز النفوذ،والتعدد الحضاري!ولا شك في أن هذا المنحى في السلوك الأمريكي ما كان ليستمر لولا خنوع ما يسمى بالدول العظمى في كل شيء،إلا في كرامتها،وحضورها الفاعل والمؤثر،ما أوحى لأمريكا بأنها القدر الحاكم على كل تحولات العالم!؟
إنها مغامرة أمريكية جديدة في قلب الشرق الأوسط على مرأى ومسمع من العالم كله!وقد اختارت أمريكا لمغامرتها أن تكون ضد إيران،وعلى أبواب المصالح العظمى لكل دول العالم،ونعني بذلك مضيق باب المندب ومضيق هرمز دون أن نتغافل عن مضيق ملقة!
وهنا يبدو السؤال أكثر من ملح،ما هي عواقب هذه المغامرة وأمريكا ترى مشاهد الصواريخ الإيرانية وهي تتساقط على الكيان الصهيوني؟فهذا الكيان يعيش اليوم أسوأ حالاته الوجودية!فلو كان الأمريكي يقرأ جيدًا لما اختار لنفسه هذا المصير في رؤية هذا الكيان، وهو يتعرّض لما يُهدد وجوده ومصالح الغرب المستعمر كله!
فالرشد السياسي يوجب على من كان لديه أدنى تدبّر في تحولات المنطقة،إعادة قراءة الحدث قبل الحكم بالهزيمة على إيران.أليس هذا الرئيس هو نفسه الذي خاض مغامرته منذ أشهر في البحر الأحمر ولم يتمكن من تأمين حرية الملاحة!؟فمن أين ستكون لهذا الرئيس مقدرة وإمكانية الخلاص فيما لو فرضت عليه إيران خوض مغامرة مضيق هرمز؟
إن مشاهد الصواريخ الإيرانية،وهي تتساقط على الكيان الصهيوني تضع حلف الناتو وكل صهاينة العالم أمام خيارين لا ثالث لهما؛فإما أن يدخلوا الحرب للدفاع عن الكيان الصهيوني،وإما أن يوقفوا الحرب ويقبلوا بالشروط الإيرانية الخاصة والإقليمية،وهذا ما يجعل أمريكا في وضع حرج أمام كل مصالح العالم،لأن أحدًا لن يقبل بإقفال الممرات المائية،وخصوصًا الصين وروسيا وكل الدول التي تربطها علاقات استراتيجية مع إيران!
لقد أخطأت أمريكا حيث لا نجاة لها،فهي اعتادت على محاربة أقزام ومنظمات إرهابية،وأنظمة تصطنعها لنفسها،فكيف سيكون حالها أمام أمبراطورية عظمى في العقيدة والسلاح والنفوذ كدولة مثل إيران؟
إن الحمق السياسي،هو الذي يدفع بمسؤول هنا،أو هناك،ليدعو دولةً مثل" إيران الخميني" إلى الاستسلام!؟،ويبقى على الرئيس الأمريكي أن يترجّل عن صهوة كبريائه، ليقبل بالهزيمة والخروج من غرب آسيا،كونه لم يعُد متاحًا لدولة معتدية الفوز بالمصالح الحيوية والاستراتيجية كثمن لعدوانها!
فالخسارة لا بد أن تكون مُدوّيةً لأمريكا على فعلتها الشنيعة ومكرها السياسي في المفاوضات النووية.!وهذا ما أوحت به مشاهد الصواريخ الإيرانية في سماء الشرق الأوسط!؟فالحرب النووية،كما قلنا سابقًا،لم تعد مجرد خيار يمكن الإفلات منه بتبادل المصالح وتقاسم النفوذ!
وإنما هي اليوم وغدًا في مضيق هرمز ستصبح ضرورةً عالمية من ضرورات الأمن القومي لكل الدول العظمى،ما يُنذر بفصل جديد من التهور العالمي باتجاه الفناء لكل ظالم ومتجبّر،ذلك أن الله يدافع عن الذين آمنوا ويُخزي الطغاة والمتجبرين،ويدمّر على الظالمين والمعتدين كل ما بنوه بصلف الكبرياء وغرور الشياطين.والسلام.
بقلم أ.د.فرح موسى؛ رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان