ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ تَكَبَّرَ في وَلايَتِه كَثُرَ عِنْدَ عَزْلِهِ ذِلَّتُهُ

21:55 - July 08, 2025
رمز الخبر: 3500855
بيروت ـ إکنا: من يتكبَّر على من دونه ويتجبَّر، ويظن نفسه أنه الربُّ الأعلى ينتهي به الأمر إلى نهاية محزنة مخزية، ويصير أمره إلى الذُّل بعد العِزِّ، والأمثلة التاريخية والحالية لذلك واضحة ومشهودة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ تَكَبَّرَ في وَلايَتِه كَثُرَ عِنْدَ عَزْلِهِ ذِلَّتُهُ".
 
في هذه الجوهرة الكريمة يكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن معادلة مهمة ذات أبعاد تربوية أخلاقية سامية، فهي تربط بين تكبُّر المسؤول أو المدير أو من له الولاية، واستعلائه على الناس أو الموظفين واحتقارهم وبين نفورهم منه، وبين انفضاضهم عنهم، وتمَنِّيهم زوال سلطانه، وسعيهم في عزله، ما يجعله ذليلاً صاغراً حين يفقد منصبه. 
 
هذه المعادلة تحذَّر كل ذي سلطة ومسؤولية من التكبر والاستعلاء على من يلي أمرهم، ويتعامل معهم بغلظة وفظاظة وقلة احترام لأشخاصهم وآرائهم، واستخفاف بجهودهم وقابلياتهم، فإن هذا السُّلوك الخبيث يؤدي بهم إلى الحقد عليه، ورفض التعاون معه، وانخراطهم في كل عمل يؤدي إلى الانتقام منه وإضعافه، وصولاً إلى التحرُّر منه.

إقرأ أيضاً:

من يتكبَّر على من دونه ويتجبَّر، ويظن نفسه أنه الربُّ الأعلى ينتهي به الأمر إلى نهاية محزنة مخزية، ويصير أمره إلى الذُّل بعد العِزِّ، والأمثلة التاريخية والحالية لذلك واضحة ومشهودة، فما من مؤسسة أو شركة أو دولة كان يديرها مسؤولون أو مدراء أو رؤساء مستكبرون متعجرفون طغاة ظالمون إلا وكانت نهايتهم مأساوية، وعاقبة أمرهم مخزية، وقد صاروا إلى ذِلَّة مبكية.
 
إن من أعظم الفِتَن قارئي الكريم فتنة السُّلطة، ففيها يسقط كثيرون وينجح من رحمه الله وأعانه على نفسه، السُّلطة مختبر الرجال، وبها تظهر معادنهم الحقيقية، فمنهم من يستعلي ويتجبَّر ويحتقر الناس، ولا يسمع مشورة، ولا يقبل نصيحة، وينسى أن العزَّة لله جميعاً، وأن عاقبة المتكبرين هي الصَّغار والهَوان والذُّل، وقليل من الناس من يتواضع ويؤدي ما عليه مسؤوليات كواجب أخلاقي وديني. 
 
إن استعلاء المسؤول والمدير والحاكم لا يبعث على المهابة كما يتوهَّم الجاهل المنتفخ في نفسه، ولا يجلب إليه الاحترام والتقدير، بل يؤدي به إلى المَهانة والتحقير، وإن تكبُّره على من تحت سلطته لا ينشأ من تفرُّده عنهم بميزات ليست موجودة فيهم، بل ينشأ في الحقيقة من هَوان في نفسه، وإحساس بالذُّل والضعف النفسي، فيلجأ إلى ذلك الأسلوب المَمجوج من التعامل للتعويض عن ذلك النقص الخطير، يحسب أنه يجلب إليه العِزَّ والمَهابة في الصدور، لكنه ينتهي به إلى الذِّلَّة والمهانة.
 
في الإسلام تعتبر المسؤولية والولاية تكليفاً -يجب أن يؤدّيه المرء بجدارة وإتقان كما يؤدي الصلاة والصيام، والله تعالى سائله عنه ومحاسبه عليه- وليست تشريفاً، وأمانة لا امتيازاً للشخص على الآخرين، ولا مكانة يُرَقّى إليها وتُمنَع عنهم، المسؤولية أو الولاية في الإسلام وسيلة لقيادة الناس وخدمتهم، وليست للتكبُّر عليهم واعتبارهم خدماً له، ولذلك يجب التواضع لهم، واللِّين معهم، والحرص على النفع لهم، والسهر الدائم على مصالحهم، والتقدير لجهودهم، والتعاون معهم على البِرِّ والتقوى، والعدل فيهم، وخوف الله في إدارة شؤونهم.

وعلى المسؤول والحاكم والمدير أن يراقب الله تعالى فيمن يدبر أمورهم، مراعياً رضا الله في تعاملهم معهم، وأن يكون تقياً، ورعاً، متواضعاً، حريصاً على بساطة العيش، متجنِّباً الاستكبار والاستعلاء، مُدركاً أن سلطانه في النهاية إلى الزوال، وأنه ميِّت لا محالة، ومحاسب على كل ما كان منه من خير أو شر، ومن تعامُلٍ حَسَنٍ أو تَعامُلٍ سيِّءٍ، ورحمة أو غلظة، وتواضع أو تكبُّر. 
 
إن تواضع المسؤول ولينه ورحمته برعيته هو فعل أخلاقي رفيع، ولا يقل شأناً عن أي عمل من الأعمال الصالحة، بل هو في الواقع نحو من العبادة لله تعالى، ومظهر من مظاهر الإيمان العملي، وهو بعد ذلك وقبله مفتاح القلوب. 

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha