
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ أَسْرَعَ الْجَوَابَ لَمْ يُدْرِكِ الصَّوَابَ".
معادلة تقوم على الربط بين الإسراع في الجواب، وعدم إدراك الصواب، تعلمنا ضرورة التأني والتفكير العميق قبل النطق بالجواب، أو إصدار الإحكام، أو اتخاذ القرارات، وذلك بأن يكون لساننا وراء قلوبنا، نفكِّر أولاً، ونتدبَّر ثانياً في عواقب ما نقول وما نصدره من أحكام، وما نتخذه من قرارات، كي نكون على صواب في جميع ذلك، فمن يستعجل في الجواب دون أن يُمهل نفسه للتدبر فيما سيقول، أو التفكير في السؤال وفهمه فهماً عميقاً وافياً، غالباً ما يخطئ، أو لا يُحسن الجواب.
فالمعادلة تحذِّر من التسرُّع في الرَّدِّ والجواب، والعَجَلة مذمومة، وهي من تأثُّر الإنسان بالشيطان، وقلة الوعي والبصيرة، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "الأناةُ مِنَ اللَّهِ، والعَجَلَةُ مِنَ الشَّيطانِ" وهي تُوقِع الإنسان في الهَلَكَة، هَلَكَة الخطأ، وهَلَكَة ظُلم الآخرين، وهَلَكَة الإخفاق في تحقيق الأهداف، وهَلَكَة ضياع النتائج، كمن يجتني الثمرة قبل ينعها فلا يستفيد منها، ولو أنه يتركها حتى تينع لاستفاد منها، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إنَّما أهلَكَ النّاسَ العَجَلَةُ، ولَو أنَّ النّاسَ تَثَبَّتوا لَم يَهلِكْ أحَدٌ".
فلا بدَّ من التأنّي قبل الإجابة، وأخذ الوقت الكافي في التفكير، لأن العقل لا يُصيب إلا إذا تروّى وتدبّر، وإذا بحثنا في الخلافات والمشاكل الاجتماعية أو الزوجية أو الأسرية وتعمَّقنا فيها، لوجدنا أن الاستعجال في الردود هو المسؤول عن كثير منها، وهكذا الحال في القضاء فإن التسرُّع في الأحكام غالباً ما يفضي إلى إصدار أحكام ظالمة، وتضييع الحقوق، ولذلك نجد القضاة المنصفين يأخذون وقتهم في دراسة القضايا، ويهابون إصدار الأحكام خوف الوقوع فيما لا تُحمَدُ عُقباه، كذلك الأمر في إصدار الفتاوى الدينية حيث نجد العالم التقي يستمهل السائل كي يراجع المسألة قبل أن يُفتيه حذراً من الإفتاء بغير علم.
وأخطر ما نراه في عالمنا اليوم على مستوى الإعلام سُرعة التعليق على الأحداث، أو سُرعة نشر ما يصل إلى الشخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون التحقُّق من مصادرها وصحتها، ودون فَهم خلفياتها، الأمر الذي يؤدي إلى نشر الشائعات، والتسبب ببلبلة اجتماعية خطيرة، وهرج ومرج في المجتمع، وقد تأخذ الناس إلى خيارات قاتلة.
ما يجب أن يعرفه القارئ الكريم: أن السرعة في الجواب ليست دليلاً على الذكاء والعلم دائماً، بل قد تكون دليلاً على التهوُّر، أو قلة المعرفة، فالصواب يحتاج إلى تدبُّر، وتحليل عناصر السؤال، وتقدير الظروف التي يُطرَحُ فيها السؤال، سواء كانت ظروف السائل الشخصية، أو الظروف العامّة، ولهذا كان فقهاؤنا وما زالوا عندما يُسأَلون عن حكم شرعي يبدؤون الجواب بجملة: حسب مفروض السؤال. ثم يجيبون.
إن عبارة الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ أَسْرَعَ الْجَوَابَ لَمْ يُدْرِكِ الصَّوَابَ" تدعونا إلى أن نُحكّم عقولنا قبل ألسنتنا، وأن نؤمن بأن السكوت والتأنّي أعقل من التسرُّع في الكلام، وفي عالم يعجّ بالمعلومة الفورية وردّ الفعل السَّريع، نحن في أمسّ الحاجة إلى تربية أنفسنا على هذا الأصل العلوي الرصين.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي