ایکنا

IQNA

مشروعية الحزن على الإمام الحسين(ع)

16:57 - August 15, 2025
رمز الخبر: 3501316
إکنا: هناك شبهة قد طرحها بعض المسلمين الغافلين مفادها: "إذا كان الحسين عليه السلام شهيدًا في الجنة، فلماذا نحزن عليه؟ أليس الأولى الفرح له؟"

هناك شبهة قد طرحها بعض المسلمين الغافلين مفادها: "إذا كان الامام الحسين(عليه السلام) شهيدًا في الجنة، فلماذا نحزن عليه؟ أليس الأولى الفرح له؟"

الجواب: هذا الكلام يتجاهل أن الفرح بالمقام لا ينافي الحزن على الفقد والمصيبة، بل يجتمعان في قلب المؤمن. نحن نفرح أن الحسين(ع) نال رضوان الله، لكننا نحزن على ما جرى عليه من الظلم وعلى حرمان الأمة من وجوده المبارك وعلى ضياع الحق بسبب قتل القائد الإلهي.

القرآن الكريم والسنة النبوية مليئان بمواقف اجتمع فيها الحزن مع الإيمان برفعة الميت.

 وهذا ثابت بالقرآن والسنة وعمل النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه:

١- القرآن الكريم ذكر أن يعقوب عليه السلام حزن على يوسف حتى ابيضّت عيناه من الحزن (يوسف: 84)، مع أنه كان نبيًا ويعلم أن يوسف في حفظ الله.

٢- السنة النبوية عند أهل السنة تروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) بكى على شهداء أُحد، وعلى عمّه حمزة، وقال: «لكن حمزة لا بواكي له» حتى بكت نساء الأنصار عليه (مسند أحمد، ج3، ص331؛ السيرة النبوية لابن هشام، ج3، ص52).


إقرأ أيضاً:


٣-  بكاء النبي(ص) على ابنه إبراهيم: روى البخاري ومسلم عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله) بكى وقال: «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» (صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض).

٤- بكاء النبي(ص) على الحسين(ع) قبل استشهاده:

روى أحمد في مسنده (ج6، ص294) والحاكم في المستدرك (ج4، ص398) بسند صحيح أن جبرائيل أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بمقتل الحسين في كربلاء، فبكى وجمع تربة من أرضه.

وروى الترمذي (ح 3775) عن أم سلمة أن النبي (صلى الله عليه وآله) بكى حين دخل عليه الحسين، وأخبرها أن جبرائيل أخبره أن أمته ستقتله.

كذلك روى ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج1، ص63) أن النبي (صلى الله عليه وآله) بكى وحزن لما علم بمقتله.

فإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) بكى على الحسين قبل مقتله تأسفًا على ما سيجري عليه، فكيف يُستنكر أن نحزن نحن بعد وقوع المأساة ولا نبكي عليه؟

٥- التأسي بأهل البيت(عليهم السلام): 

نحن قوم نتبع الائمة الطاهرين ونتأسى بهم كما امرنا القرآن والنبي بذلك فهم قدوتنا في كل شيء وقد رأينا انهم عليهم السلام كانوا يقيمون مجالس الحزن على جدهم الحسين عليه السلام. 

وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة(عليهم السلام) كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم.

أوّلاً: إنّ أوّل مجلس نصبه الإمام زين العابدين(عليه السلام) كان في الشام، عندما خطب في ذلك الحشد، وأخذ ينعى أبيه ويعدّد صفاته ويبيّن مظلوميّته، والناس من حوله تبكي، فهذا أوّل مجلس عزاء أقامه الإمام زين العابدين(عليه السلام) في الجامع الأُموي(راجع :الاحتجاج 2: 38 احتجاج علي بن الحسين زين العابدين على يزيد بن معاوية لما أدخل عليه).

ثانياً: ما كان يفعله الإمام زين العابدين(عليه السلام) عند مروره بالقصّابين، وتذكيرهم بمصاب الإمام الحسين(عليه السلام)، وأخذه البكاء أمامهم، فإنّ هذا عزاء لأبيه الحسين(عليه السلام) في الملأ العام، وليس فقط تذكير لهم.

ثالثاً: روى العلاّمة المجلسي عن بعض مؤلّفات المتأخّرين أنّه قال: ((حكى دعبل الخزاعي، قال: دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا(عليه السلام) في مثل هذه الأيّام ]يعني محرّم[ فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب، وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً قال لي: (مرحباً بك يا دعبل، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه).

ثمّ إنّه وسّع لي في مجلسه، وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: (يا دعبل! أحبّ أن تنشدني شعراً، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا، خصوصاً بني أُميّة.

يا دعبل! من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله.. يا دعبل! من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لِما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا.. يا دعبل! من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة).

ثمّ إنّه(عليه السلام) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين(عليه السلام)، ثمّ التفت إليّ وقال لي: (يا دعبل! إرثِ الحسين، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً، فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت).

قال دعبل: فاستعبرت وسالت عبرتي، وأنشأت أقول: 

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً ** وقد مات عطشاناً بشطّ فُراتِ

إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده ** وأجريت دمع العين في الوجنات...))( بحار الأنوار 45: 257 الباب (44) حديث (15))

فهنا الإمام(عليه السلام) عقد مجلساً لذكر جدّه الإمام الحسين(عليه السلام)، وأمر بضرب الحجاب حتّى يسمع أهل بيته.

رابعاً: روى العلاّمة المجلسي عن بعض المؤلّفات لأحد ثقاة معاصريه، أنّه لمّا أخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين، وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: يا أبتِ! متى يكون ذلك؟ قال: (في زمان خالٍ منّي ومنك ومن عليّ)، فاشتدّ بكاؤها، وقالت: يا أبتِ! فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟

فقال النبيّ: (يا فاطمة! إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة، تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده، وأدخلناه الجنّة)(بحار الأنوار 45: 257 الباب (44) حديث (15) ).

خامساً: روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الرضا(عليه السلام)، أنّه قال: (إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهُتكت فيه حرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا...

ثمّ قال(عليه السلام): كان أبي(صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين(صلوات الله عليه))(أمالي الشيخ الصدوق: 190 المجلس(27) حديث (199)  ).

فالإمام(عليه السلام) أقام العزاء للإمام الحسين(عليه السلام)، وجدّد مصيبته في كلّ محرّم بحزنه وبكائه، وتغيّر لونه.

وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة(عليهم السلام) كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم.
نعم، تبقى مسألة لا بدّ من الالتفات إليها، وهي: حالة الأئمّة(عليهم السلام) وما كانوا عليه من المطاردة والمحاصرة، والمراقبة المشدّدة من قبل الدولتين الأُموية - هي التي وقعت فيها معركة كربلاء - والعبّاسية، ومعلوم موقف الدولتين من أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، فلذلك لا تجد أنّ الإمام يقيم العزاء العام، ويدعو الناس إليه كما يقام الآن؛ لأنّه في رقابة وفي محاصرة تامّة من قبل السلطة، ويريد أن يحفظ نفسه، ويقوم بما هو المطلوب منه، فلذلك لا نجد هذا الأمر بالكيفية التي عليها نحن اليوم.

٦-  فلسفة الحزن المستمر:

ان الحسين قُتل مظلومًا دفاعًا عن دين جده، فالبكاء والمواكب ليست مجرد عاطفة، بل هي إعلان ولاء للحق ورفض للباطل، وتجديد عهد مع قيم كربلاء، وهو مصداق لقوله تعالى: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

إذن، حزننا على الحسين (عليه السلام) حزن شرعي، وعاطفة إيمانية، وموقف مبدئي، تأسّينا بالنبي (صلى الله عليه وآله) الذي بكى عليه قبل أن يُقتل.

٧ - اتّفق فقهاء الإماميّة على استحباب إحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام وإظهار الحزن والبكاء عليه، بما يشمل إقامة المجالس، وإنشاد المراثي، وإسالة الدمعة، وإدخال الحزن على النفس والبيت تعظيمًا لشعائر الله ووفاءً لرسالة كربلاء.

ويستند هذا الحكم إلى نصوصٍ خاصّةٍ كثيرة، وإلى عموماتٍ شرعيةٍ معتبرة تُلحق هذه الشعيرة بعنوان تعظيم شعائر الله وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام.

٨ - النصوص الروائية الخاصّة (أدلّة الاستحباب)

في  نصوص كتاب  كامل الزيارات (ابن قولويه، ت 368هـ)

بابٌ مستقلّ في ثواب البكاء على الحسين: عن الإمام زين العابدين عليه السلام: «ما من مؤمنٍ يَذْكُرُنا أو يُذْكَرُ عنده فيخرج من عينه مثلُ جناحِ الذباب، إلّا غفر الله له ذنوبَه ولو كانت مثل زبد البحر…» ونحوه بألفاظٍ متعدّدة تُصرِّح بالأجر العظيم لمن بكى أو تباكى أو أبكى. 

كما يُذكر أن ملائكةً يبكون عند قبره إلى يوم القيامة، وهو تعظيمٌ سماويّ لهذه الشعيرة.

كذلك في باب «ثواب من أنشد في الحسين بيتًا… وبكى وأبكى» جاءت رواياتٌ صريحة في استحباب الإنشاد والبكاء والتباكي والإبكاء، وأن لكلٍّ منها ثوابًا خاصًّا.

فهذه الروايات تفيد الاستحباب المؤكَّد لإظهار الحزن والبكاء على الإمام الحسين عليه السلام، فردًا وجماعة، بحدود عدم الوقوع في محرّمٍ مستقلّ (كالإضرار البالغ بالنفس أو هتك حرمة الدين).

 ٩ - عمومات إحياء أمرهم وتعظيم الشعائر.

فيدخل فيه عقد المجالس، قراءة المراثي، التباكي، إلباس البيوت والمساجد سِمة الحزن، وزيارة الحسين لا سيّما يوم عاشوراء، وكلُّ ذلك من مصاديق الإحياء المندوب. 

١٠ - مقاصد الشعيرة وآثارها التربوية والاجتماعية: 

 فإن في هذه المجالس والمحافل جملة من الفوائد التربوية والاجتماعية: 

الف- تعظيم شعائر الله وتجديد العهد مع قيم التوحيد والعدل التي نهض لها الحسين.

باء- ترقيق القلب واستحضار الآخرة؛ وقد صرّحت نصوص كثيرة بأنّ المجلس الذي يُحيي أمرهم لا يموت قلب صاحبه يوم تموت القلوب. 

جيم- بناء الوعي: المجلس الحسيني مساحةٌ لتفسير القرآن والسيرة وقضايا الأمة على هدي مدرسة أهل البيت.

دال-  الحفاظ على هوية الجماعة المؤمنة: فان تلك المجالس تؤدي الى توحيد الصفّ، ورعاية الفقراء، وبعث المعنى الرسالي للمظلومية والنصرة.

هاء - التكافل:

 ما يتبع المجالس من صدقاتٍ ونذورٍ وخدمةٍ للزائرين، وهو من أعظم القُربات.

بناءً على ما تقدّم، فإن إظهار الحزن والبكاء على الإمام الحسين عليه السلام شعيرةٌ مستحبّةٌ مؤكَّدة في الفقه الإمامي، دلّت عليها نصوصٌ خاصّةٌ قريبة العهد بمصادرها الأصلية، وتؤيّدها عمومات القرآن ومقاصده. وهي ليست مجرّد حالةٍ عاطفية، بل منهج تربيةٍ ووعيٍ وهوية، يحفظ الدين ويغذّي روح العدل والحرية، ويُبقي حرارة الإيمان في القلوب كما في الحديث المشهور: «إنّ لِقَتْلِ الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا».

بقلم الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري 

captcha