ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ لَمْ يَعْلَمْ

23:21 - August 31, 2025
رمز الخبر: 3501486
بيروت ـ إکنا: لا ينال المرء العلم من دون طلبه والسعي إليه، والصبر عليه، والجهل لا يُهزَم إلا بالتعلُّم، والتخلُّف لا يقضى عليه إلا بالتَّعَلُّم، إذ العلم ليس هبة مجّانية يعطى لهذا أو ذاك من البشر، بل هو ثمرةُ جهدٍ وعناء، ونتاجُ سؤالٍ دائم، وتأملٍ متواصل، وسعيٍ لا يعرف الكسل.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ لَمْ يَعْلَمْ".

معادلة في غاية الأهمية، يجب أن تكون مُلهِمة لنا على الدوام، فالحياة لا تبنى من دون العلم، والتعامل مع قوانينها ومعادلاتها لا تستقيم من دون علم، ولا يكون تطوّر وتقدّم وتنمية من دون العلم، كما العلاقة مع الله تعالى لا تكون ناضجة من دون علم، كذلك العلاقة بالآخرة التي هي دار القرار لا تكون من دون العلم اليقيني بها، رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "اُطلُبوا العِلمَ، فإنَّهُ السَّبَبُ بَينَكُم وبَينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".

ولا ينال المرء العلم من دون طلبه والسعي إليه، والصبر عليه، والجهل لا يُهزَم إلا بالتعلُّم، والتخلُّف لا يقضى عليه إلا بالتَّعَلُّم، إذ العلم ليس هبة مجّانية يعطى لهذا أو ذاك من البشر، بل هو ثمرةُ جهدٍ وعناء، ونتاجُ سؤالٍ دائم، وتأملٍ متواصل، وسعيٍ لا يعرف الكسل، العلم لا يناله المرء إلا برغبة عارمة لاكتسابه والحصول عليه، واعتراف دائم بالجهل والقِلَّة، وأنه كلما علم الإنسان شيئاً بانَ له أن ما يجهله أكثر بكثير مما يعلمه، وطموح دائم إلى المزيد منه. 


إقرأ أيضاً:


ها هو رسول الله (ص) الذي كان مؤيّداً بالوحي، قد جمع علم الأولين والآخرين في ذاته المقدسة، يأمره الله تعالى أن يسأله المزيد، فيقول: ... وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴿طه:114﴾ فالعلم هو الزاد الذي لا يشبع منه العقل، فكلما ازداد المرء علماً، ازداد إدراكاً لكثرة ما لا يعلم، فالعلم لا يعرف حداً، وطلب الزيادة فيه ليس ترفاً بل ضرورة وواجباً إنسانياً ودينياً، وعلى المرء أن يطلبه من المهد إلى اللَّحد، وأَلَّا يقف عند حدٍ معين قانعاً بما تعلَّم، فإنه إن فعل ذلك تجاوزه العلم، وقَعَد حبيس محدوديته وجهله بالجديد منه، قال رسول الله (ص): "إذا أَتَى‏ عَلَيَّ يَومٌ لا أَزْدادُ فيهِ عِلْماً يُقَرِّبُني إلَى اللَّهِ تَعالى‏، فَلا بُورِكَ لي في طُلوعِ شَمْسِ ذَلكَ اليَومِ" وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "كُلُّ وِعاءٍ يَضيقُ بِما جُعِلَ فيهِ إلّا وِعاءَ العِلمِ، فإنَّهُ يَتَّسِعُ بِهِ"  وجاء عن الإمام جعفر الصادق (ع): "لَو عَلِمَ النّاسُ ما في طَلَبِ العِلمِ لَطَلَبوهُ ولَو بِسَفكِ المُهَجِ وخَوضِ اللُّجَجِ".

واعلم قارئي الكريم: أن طلب العلم لا يقتصر على طلبه من بطون الكُتُب، ولا على مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات، ولا على استماع المحاضرات، وإن كان ذلك من أهم وسائل طلب العلم، ولكن الحياة نفسها مدرسة لا تُغلَق أبوابها، ولا تحتاج إلى قبول انتساب، ففي كل تجربة تخوضها أو يخوضها غيرك علم مستفاد، وفي كل نازلة، أو بلاء، أو نجاح، أو فشل، فِكرة وعِبرة، وفي كل ظاهرة من ظواهرها معرفة وحكمة، والنجاح فيها لا يُقرِّره الأستاذ، والشهادة فيها لا تمنحها المؤسسة التعليمية، النجاح فيها يحدده مدى استفادتك، واتعاظك، واستلهامك، وتطوّرك أنت، ومعرفتك بنفسك، وتهذيبك لها، وتنمية فضائلها، وقراءتك الحياة بعيون القلب والعقل، لتصبح أوسع أُفُقاً، وأرقَّ قلباً، وأنقى ذاتاً، وأصفى نِيَّةً، وأكثر حكمة في قراراتك وخياراتك، وأن يكون طلبك للعلم منهجك الدائم، وهدفك الأسمى والأهم. 

واعلم: أن أسوأ الجهل ما يظنه صاحبه علماً، من يرفض أن يتعلَّم لأنه يظن أنه يعلم، ومن يغتر بالقليل من علمه يظن أنه أعلم الناس، فهذا يوصِد أبواب العلم في وجهه، ولا يستزيد من العلم الذي لا يتوقَّف عن المزيد والمزيد، قال الإمام جعفر الصادق (ع): "كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَنْ يَزْهو بِعِلْمِهِ".

واعلم: أن العلم علمان:  علم يكتسبه المرء بالتعلُّم، وهو ما يفعله أكثر الناس، وطلبه واجب كما مرَّ معنا، وهو متاح لكل ذي همَّة ورغبة.

وعلم يُفيضه الله على القلب النقي التقي الصافي، ونور يقذفه الله في قلب من يحب من عباده، ويُطلق عليه (العلم اللدُنِّي) وسُمي (لَدُنِّياً) لأن الله تعالى نسبه إلى ذاته إذ قال:  فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴿الكهف:65﴾ وعادة ما يكون فيما له صلة بأمور غيبية، أو حِكَمٍ ربانية، أو تأويل عميق للأمور، فهو من مراتب الكشف، أو التأييد الرباني،  ولا يُنالُ إلا بتزكية النفس، وصلاحها، وصفاء القلب ونقائه وتقواه، يمنحه الله لبعض عباده وأوليائه.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي

captcha