ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ كَتَمَ عِلْماً فَكَأَنَّهُ جاهِلٌ

23:07 - September 21, 2025
رمز الخبر: 3501705
بيروت ـ إکنا: أوجب الإسلام على العالم أن يُبادر إلى تعليم الجاهل، ولا ينتظره حتى يأتيه طالباً العلم، فإن الجاهل لا يدرك قيمة العلم، بينما العالم يُدركها.

وروِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كَتَمَ عِلْماً فَكَأَنَّهُ جاهِلٌ".
 
حكمة بالغة، تشير إلى ضرورة أن يُظهِر العالم علمه، أن يفيد الناس به، فالعلم رزق من الله ونعمة، والنعمة واجب شكرها، ويتحقق الشكر لها بإظهار العلم وتعليمه للناس، وهذا ما دعا إليه الإسلام، حيث فرض على العالم أن يعلم الجاهل، واعتبر ذلك نحواً من الزكاة، فكما يجب اقتطاع نسبة معينة من المال وبذله لمحتاجيه من الفقراء والمساكين،  تحت عنوان (زكاة المال)، وكما اعتبر الصيام زكاة الأبدان، كذلك اعتبر إنفاق العلم زكاة، فقد جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إنَّ لِكُلِّ شَي‏ءٍ زَكاةً، وزَكاةُ العِلمِ أن يُعَلِّمَهُ أهلَهُ" وجاء عن رسول الله (ص) أنه قال: "ما تَصَدَّقَ النّاسُ بِصَدَقَةٍ أفضَلَ مِن عِلمٍ يُنشَرُ".

وأوجب الإسلام على العالم أن يُبادر إلى تعليم الجاهل، ولا ينتظره حتى يأتيه طالباً العلم، فإن الجاهل لا يدرك قيمة العلم، بينما العالم يُدركها، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "ما أخَذَ اللَّهُ عَلى‏ أَهْلِ الجَهلِ أَنْ يَتَعَلَّموا حَتّى‏ أخَذَ عَلى‏ أَهْلِ العِلمِ أَنْ يُعَلِّموا".
 
وحرَّم الإسلام كتمان العلم لأن في كتمانه إخفاء للحق، وإخفاء لما ينفع الناس، وما يحتاجون إليه، إذ العلم حاجة ضرورية للإنسان فرداً ومجتمعاً، فإذا كتمه العالِم به منع تلك الحاجة عن الناس، وهذا نحو من الاحتكار، والاحتكار لا يكون إلا في الضروريات التي يحتاج الناس إليها، والمحتكر ظالم بلا ريب، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿البقرة: 159﴾.

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿البقرة: 174﴾.
 
يقال: أن أستاذاً جامعياً كان يحاضر في طلابه فسألهم عن أغنى الأمكنة في العالم، فمنهم من قال إنها شوارع المصارف في الدول العظمى والمدن الكبرى، ومنهم من قال إنها الأراضي التي تزخر بالثروات الطبيعية من معادن ونفط وغير ذلك، فقال لهم: أغنى الأماكن في العالم (المقابر) وقبل أن يتملكهم العجب، سارع إلى شرح فكرته فقال: كم عالم أو مفكر أو مبدع أو مخترع مات وقد كان في جعبته الكثير من الأفكار والإبداعات لكنه كتمها في نفسه فمات وذهبت معه، ولو أنه أظهرها للناس لغيَّر مجرى حياتهم.

والفكرة صحيحة بلا شك، فكم من فكرة ماتت مع صاحبها لأنه كتمها في نفسه ولم يُبدها للناس، إما من إهمال، أو من استعلاء، أو من بخل، أو بسبب منع العلم عن سواه حتى يحتاجوا إليه فيمكنه أن يمسك بهم من رقابهم، ويصادر قرارهم واستقلالهم، كما نراه في دول الاستكبار العالمي التي تمنع العلوم الحديثة عن سواها من الشعوب كي تبقى تلك الشعوب ودولها متخلفة عنها ومحتاجة إليها، ومستهلكة منتجاتها، والشواهد في هذا الشأن أكثر من تُحصى وتُعدّ.
 
في هذا السياق يجيء قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ كَتَمَ عِلْماً فَكَأَنَّهُ جاهِلٌ" فالعلم في جوهره رسالة، من يمتلكه يصبح حامل أمانة، فإذا كتمه فقد خان تلك الأمانة، وأبقى الآخرين في دائرة الجهل، ووسَّع الفجوة بينه وبين من يحتاج العلم والمعرفة، فيصبح كتمانه تواطؤاً مع الجهل ذاته، ومن ثم، فالإمام (ع) لا يساوي بين الجاهل ومن كتم علمه عبثاً، بل يعتبر أن الكاتم قد أضاف إلى جهل الجاهل جريمة تجهيله، وتجهيل نفسه أولا.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha