
رُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ ضَيَّعَ عاقِلاً دَلَّ عَلى ضَعْفِ عَقْلِه".
والمعادلة التي بين أيدينا تقوم على الربط بين تضييع العاقل وبين ضعف العقل، وبعبارة أوضح: تقول المعادلة: أن من يهمل ويتجاهل صاحب العقل ويعرض عن الاستفادة من عقله وعلمه وخبرته، أو لا يعطيه مكانته اللائقة، به أو يُسيء معاملته، فإنه يرتكب حماقة كبرى، ويدل فعله على ضعف عقله، وانعدام بصيرته، والسبب: أنّ العقل يدعو دائماً إلى طلب الحكمة من أهلها، ومن يمتلك عقلاً سليماً لا يفرّط في استقطاب العاقل واجتذابه إليه والاستفادة من عقله وحكمته.
يعلم قارئي الكريم أن للشخص العاقل الحكيم المتزن منزلةً عُليا وقيمة كبرى، فهو الحصيف، والنبيه، والناصح، والدليل، وهو صوت الرشد حين يحضر السَّفه، ومرآة الحق حين يخفى، وبوصلة النجاة حين تتشابه الطرق وتلتبس الأمور، وجسر العبور فوق هاوية الفِتَن، والقوة الموجِّهة، وصمّام الأمان أمام الانفعالات، فمن ضيّع العاقل، فقد أضاع النور الذي يُهتدى به، وألقى بنفسه في غياهب الجهالة، ومن أعرض عنه فقد سَلَّم نفسه إلى زمام الهوى، وفتح عليها أبواب الباطل، وأسلمها للضياع، وأطفأ سراجاً في ليل الحيرة، وسار في طريقه بلا دليل، كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ﴿البقرة:17﴾.
الإمام أمير المؤمنين (ع) لا يربط إهمال العاقل بخطأ عرَضي، أو بجهل به، بل ما يكون الإهمال فيه متعَمَداً، فمن فعل ذلك دَلَّ على ضَعف عقله، لأن من يُقصي العقلاء لن يبقى معه إلا السفهاء، ويحيط به المتملِّقون والمتزلِّفون والمصَفِّقون، وأصحاب المطامع والمطامح، الذين سريعاً ما ينفضُّون من حوله حين تبدو لهم علائم ضعفه، أو فقره، أو يدخل في أزمة، أو يُبتَلى بمِحنة، وهذا دليل على سوء اختياره لمستشاريه وجلسائه، فيقع فريسة آرائهم، وقراراتهم المتهوِّرة، فتضيع منه القِيَم الحقَّة، وتبعد عن قراراته الحكمة البالغة، فيتمكن الباطل منه وهو يظن أنه الحق، ويسود بين ظهرانيه السَّفه وهو يحسب أنه رشيد في كل أحواله، فيسود العبث في حياته الفردية وفي المجتمع الذي يقوده، وتدخل الأمة في متاهات يقودها الجُهَال وأصحاب الأهواء.
إن دراسة متأنِّية للتاريخ العابر وللواقع المعاصر، تكشف لنا أن أحد أهم أسباب تقدم الجماعات والأمم والشعوب كان تمسُّك قادتها بالعلماء والمتخصصين والعقلاء والحكماء، والاسترشاد بآرائهم، والأخذ بنصائحهم، بينما أولئك الذين أهملوهم وأعرضوا عن نُصحهم غرقوا في دوّامة من الأزمات انتهت بهم إلى الحضيض والاضمحلال.
إنَّ طريقة تعامل الإنسان مع العقلاء تكشف معدن عقله وقيمة وعيه، فابحث قارئي الكريم عن العاقل كما تبحث عن الماء وقد استبدَ بك العطش، واجعل في محيطك العقلاء الحكماء، واطلب مشورتهم في أمورك، وقدَّرهم، وارفع مكانتهم، وأكرمهم.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي