
بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الأمين العام السابق
لحزب الله اللبناني السيدحسن نصر الله وتسليط الضوء على جوانب متعددة من شخصية شهيد الأمة وسيد شهداء محور المقاومة، أجرت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا)، حواراً مع الكاتب، والباحث والمحلل السياسي اليمني "عدنان عبدالله الجنيد".
ماهي السمات والخصائص التي تميزت بها مدرسة شهيد الأمة السيد حسن نصر الله؟
مدرسةُ الشهيدِ القائد
السيد حسن نصرالله ليست إلّا امتدادًا لسُلالة النور المحمّدي العلوي؛ فمن مدرسةِ أنبياءِ اللهِ العظام ومدرسةِ الحسينِ القائدِ الملهم تعلّم كيف تُستَلّ النُصُروَاتُ من أحشاء المُهَزَّمَات.
لقد حوّل
المقاومةَ من فكرةٍ إلى مجتمع، ومن مجتمع إلى أُمَّةٍ تمشي على قدمين. امتازت قيادته بخصائص هي أقربُ إلى المعجزات في زمنِ انهيارِ الرجال:
صَائِغُ الدولةِ الخفية: شيَّدَ دويلةَ المقاومة؛ حوّل حزب الله إلى منظومةٍ عسكريةٍ منضبطة، وشبكة خدماتٍ اجتماعيةٍ واسعة، فصار الولاءُ المحليُّ رصيدًا استراتيجيًّا دائمًا.
ساحرُ السرديات: أتقنَ فنَّ تحويلِ الهَزيمةِ إلى وَقُود؛ أبدع في ربط النكسة بالانتصار، فكلّ شهيدٍ يُنجِبُ جيشًا، وكلّ صاروخٍ يَكتُبُ تاريخًا جديدًا.
إقرأ أيضاً:
فيلسوفُ المرونة: جمع بين صَلابةِ المبدأ وليونةِ الماء، فكان قائداً إقليميًّا يتجاوز حدود لبنان، يُحاربُ في ساحةٍ ويُفاوضُ في أُخرى بذاتِ القلبِ الثائر.
مهندسُ الصوتِ الواحد: ابتكر لغةً جماعيةً صهرت الأصواتَ المتعددةَ في بَوْصَلَةٍ واحدةٍ تُسمَعُ من بيروت إلى طهران، وتُرهبُ من تل أبيب إلى واشنطن.
كيف تقيّمون مستقبل المقاومة في لبنان والمنطقة بعد استشهاد السيد حسن نصر الله؟الشهادةُ عندنا ليست نهايةَ المطاف، بل هي البَذْرَةُ التي تدفنها أيادي الأعداءُ ليُفاجَأوا بِغابةٍ من المقاومين.
لقد رحلَ جسدُه الطاهر لِيُكمِلَ غيابُه المعجزة؛ فدمُه أصبح شيفرةً تنتقل بين الأجيال، تُفعّلُ فيها روحَ الثأرِ والنصر.
المستقبلُ هو وَقْفٌ على هذه الحقائق:
الاستقرارُ بالقَسمةِ الدامية: لقد خطّطَ لِغِيَابِه، فوَرَّثَ قيادةً جماعيةً هي أقربُ إلى خلافةِ الشهداء؛ فبنية الحزب الصلبة وخططه الموضوعة تكفل استمرار النهج بلا اهتزاز.
الضغوطُ سرابٌ يتبدد: محاولاتُ استغلالِ الفراغِ والضغطِ السياسيِّ سرعان ما ستتحطّمُ على صخرةِ التخطيطِ الإلهيِّ.
الدمُ يكتبُ النصرَ المؤجّل: سيُثْبِتُ الأيامُ أنّ استشهادَه كان أقسى على أعدائه من حياته؛ فحياتُه كانت رادعًا، أمّا شهادتُه فستكون طوفانًا.
كان أحد أولويات الشهيد نصر الله، بالإضافة إلى الجهاد والمقاومة، هو مصاحبة القرآن وتلاوة آياته، إلى أي مدى كانت قراراته مستوحاة من المعارف القرآنية؟
كان الشهيد نصرالله قرآنًا يمشي على الأرض. استمدّ قراراته من نَظَراتٍ في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} فجعلَ القوّةَ عقيدةً، ومن قوله: {فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ} فجعلَ القصاصَ حسابًا عسكريًّا دقيقًا.
مزج بين المرجعية الدينية والواقعية السياسية، فحوّلَ آياتِ الجهادِ إلى خُطَطٍ عسكرية، وكان تأسيسُه للمقاومةِ ترجمةً عمليةً لوعدِ اللهِ بالنصرِ للصابرين.
إلى أي مدى تعتبرون غياب شخصية السيد حسن نصر الله مؤثراً في بعض التحركات لنزع سلاح المقاومة اللبنانية؟
حلمُ نزعِ السلاحِ ماتَ مع أولِ رصاصةٍ اخترقتْ جسدَ الشهيدِ الأقدس. لقد حوّلَ شهادتَه إلى سِلاحٍ غيرِ قابلٍ للاستلام. دمُه ربطَ السلاحَ بِقضيّةِ الأرضِ والسماءِ معًا، فأصبحَ نزعُه يعني نزعَ الروحِ من جسدِ الأمّة.
اليوم صارت نجومُ السماءِ أقربَ لخصومه من سلاحِ المقاومة؛ فحصانةُ الميدان هي الفيصل لا بياناتُ الخصوم.
ما هو رأيكم حول دور ومكانة السيدحسن نصر الله في دعم القضية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني المظلوم؟
هو القائدُ العربيُّ الوحيدُ الذي لم يبْعِ فلسطينَ بثمنٍ بخسٍ في سوقِ النفطِ والعلاقاتِ المُزيّفة.
ينسَب الفضلُ الأكبر إليه في نقل المقاومة الفلسطينية من زمنِ الحجارةِ إلى عصرِ الصواريخِ الدقيقة. فتح لهم مواقع التدريب، وأدخل لهم الصواريخ، ومكّنهم من التصنيع العسكري. صمودُ غزّةَ اليومَ هو الابنُ الشرعيُّ لِفكرِه وتدبيرِه، حتى باتَ كلُّ مقاتلٍ في الأنفاقِ يحملُ جزءًا من روحِه.
كيف تقيمون اتباع الشهيد نصر الله لتوجيهات قائد الثورة الاسلامية الايرانية واتباعه لولاية الفقيه؟
كان أنصعَ مثالٍ للقائدِ الذي يرى ببصيرةِ الولايةِ الإلهيةِ ما لا تراهُ عيونُ السياسيين. ولاؤه لِولايةِ الفقيهِ لم يكن تبعيةً، بل كان ارتقاءً إلى مستوى الرؤيةِ الاستراتيجيةِ التي تتخطّى الحدودَ الضيقة. حتى قال المجرم نتنياهو: «كنت أظن أنّ إيران تسير حسن نصر الله، فإذا به هو من يسير إيران».
لقد جمع بين عمق الولاء واستقلال القرار اللبناني حين تدعو الحاجة.
ما هو رأيكم بالنسبة الى دور الشهيد نصر الله في بناء الهوية العالمية للشعب اللبناني؟
لم يبْنِ هويةً لبنانيةً فحسب، بل شادَ هويةَ «الإنسانِ المُقَاوِم» التي تتجاوزُ كلَّ الحدود. جعل من اللبنانيِّ مواطنًا للعالمِ كلّه حينما يحملُ قضيّةَ الحق. لقد حوّلَ لبنانَ من دولةٍ صغيرةٍ على الخريطةِ إلى أمّةٍ كبيرةٍ في ضميرِ المستضعفين.
تحتَ ظلِّه، لم يعدِ اللبنانيُّ يُعرَّفُ بطرَفِه الطائفي، بل بانتمائِه إلى محورِ المقاومةِ والأحرار.
ما هو الدور الذي لعبه الشهيد السيد حسن نصر الله في تشكيل خطاب المقاومة؟
هو مُعيدُ تعريفِ المقاومةِ في العصرِ الحديث. حوّلها من ردّةِ فعلٍ إلى فعلٍ مُبَادِر، ومن عسكريٍّ خفيٍّ إلى دولةٍ تفرضُ معادلاتِ ردعٍ جديدة. كشف زيف الغرب وفضح ادعاءاته بحماية الحقوق والإنسانية. لقد خلَقَ نظامًا أمنيًّا موازيًا جعلَ أمنَ «الكيان الصهيوني» رهينةً لأيِّ خطأٍ يُقْدِمُ عليه، فصارَ أي حدث في لبنان شرارةً إقليمية.
ما تفسير حبِّه العميق لزعيم حركة أنصارالله اليمنية السيد عبد الملك الحوثي؟
هو حبُّ الأرواحِ التي تلتقي على مِرْقَاةِ الولايةِ قبلَ أن تلتقي على الأرض. نظر الشهيد السيد حسن نصرالله بعين اليقين القرآني، وتمنى لو كان جنديًّا تحت راية قائد اليمن الشجاع.
لقد سلّم السيّد حسن نصر الله رضوان الله عليه مشعل المقاومة إلى سيد اليمن القائد عبد الملك الحوثي(حفظه الله)، ليكمل النهج والمشروع نحو تحرير المقدسات، فَصَارَ حبُّهما سِلسلةَ وَصْلٍ بين بيروتَ وصنعاءَ تُفْشِلُ كلَّ خططِ التفتيت.
الخلاصة التحليلية النهائية:
الشهيدُ القائدُ لم يكن رجلًا.. كانَ زمنًا جديدًا أُطلِقَ من بين أضلعِ الموت. مدرستُه مدرسةٌ قرآنيةٌ نبويةٌ أرسَت قواعدَ المقاومة للأجيال. دمُه لم يُرْوَ ترابَ لبنانَ فحسب، بل صارَ نَبْضًا في شرايينِ كلِّ حرٍّ على هذه الأرض.
لقد غيّرَ المعادلاتِ كلَّها: جعلَ من الموتِ حياةً، ومن الهزيمةِ نصرًا، ومن التبعيةِ قيادة. ستبقى مدرستُه كالنجمِ الثاقبِ في ليلِ المستضعفين، تُرْهِبُ الطغاةَ وتُفْشِلُ مخطّطاتِ الاستكبار، لأنّها ببساطةٍ.. مدرسةُ الأنبياء.
