ایکنا

IQNA

محلّل سياسي عراقي في حوار لـ"إکنا":

الشهيد نصرالله كان يعتبر مقاومة إسرائيل تكليفاً شرعياً مستنداً إلى النصّ القرآني

10:11 - October 08, 2025
رمز الخبر: 3501928
بغداد ـ إکنا: أكد الأكاديمي العراقي والمحلل السياسي "حسن أرباش العامري" أن القرآن لم يكن مجرد كتاب تلاوة بالنسبة للشهید السيد حسن نصرالله، بل كان مصدر إلهام ومرجعية عملية إنعكست في مواقفه وقراراته حيث كان يكرّر الشهيد نصرالله أن مقاومة إسرائيل ليست خياراً سياسياً بل تكليفاً شرعياً مستنداً إلى النصّ القرآني.

وأحيى العالم الاسلامي وبعض الدول الاجنبية الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد السيد حسن نصرالله ورفاقه في عدوان اسرائيلي وحشي استهدف مقر تواجده في الضاحية الجنوبية لبيروت بأكثر من 80 طناً من التفجرات عبر صواريخ خارقة للتحصينات، في 27 سبتمبر / أيلول 2024 م.

وجمع الشهيد العظيم سماحة السيد حسن نصرالله في شخصه الشجاعة والاقدام والقوة والذكاء والحكمة والبلاغة والكرامة والكبرياء والحلم والجلد والصبر والحنان والرافة والرحمة والصدق والوفاء، بكل ما تحمل هذه الصفات من معنى، وكان الله سبحانه وتعالى جسّد فيه كل معاني الانسان الذي نزلت جميع الرسالات السماوية من أجل أن يكون خليفة الله على أرضه.

ولتسليط الضوء على مختلف أبعاد شخصية السيد حسن نصرالله، أجرت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) حواراً  مع  الأكاديمي العراقي والمحلل السياسي "حسن أرباش العامري".

فيما يلي نصّ الحوار:

ماهي السمات والخصائص التي تميزت بها مدرسة شهيد الأمة السيد حسن نصر الله؟

إن شخصية السيدحسن نصر الله تمثل حالة استثنائية في المشهد السياسي الديني المقاوم في المنطقة وربما في العالم أجمع، وقدرته على الوصول إلى مصاف قادة الصف الأول لم تأتِ بالصدفة، بل كانت هي نتاج مجموعة من الخصائص والسمات والمميزات الشخصية والموضوعية:

ـ كالكاريزما القيادية والهيبة الشخصية: كان الشهيد حسن نصر الله يمتلك حضوراً قوياً وخطاباً مؤثراً يجمع بين البلاغة الدينية والسياسية، ولديه القدرة على مخاطبة الجماهير بلغة وجدانية وعاطفية تمسّ الوجدان الشعبي مع معالم الهدوء والتواضع والوقار البارزة عليه وهذا ما عززت لديه صورة القائد وهيبة القيادة.

إقرأ أيضاً:

ـ الشرعية الدينية والفكرية: يستند الشهيد نصرالله على خلفية علمية حوزويه من خلال ارتباط بالمرجعيه الدينية كأحد طلاب الحوزة العلمية في النجف الاشرف ولكونه أحد طلاب السيد محمد باقر الصدر( قده) ثم انتقل ليكون من طلبة الامام الخميني(قده)، فجمع بين العقل السياسي كأمين عام لحزب سياسي وعقلية عسكرية كقائد للمقاومة الدينية لحزب الله وعلوم الدين حتى استطاع تكوين قاعدة أيديولوجية لرفاقه.

ـ القدرة التنظيمية والإدارية: منذ تسلمه الأمانة العامة لحزب الله عام 1992 للميلاد، أعاد هيكلة الحزب وطوّر مؤسساته العسكرية والاجتماعية والإعلامية. لقد كان السيد الشهيد يتحلى بالبراغماتية السياسية ولم ينغلق  في إطار عقائدي.
 
 ـ الظهور الإعلامي وحسن إدارة الخطابات: ولد له محبون ومتابعون وحتى من خصومه ونجح في رسم صورة القائد المجاهد الذي يحترمه خصومه فضلاً عن أصدقائه.
 
 ـ التجربة الميدانية والرمزية القتالية: نشأ مقاتلًا ميدانياً، ما منحه شرعية عملية لدى جمهوره، علماً أن انتصارات حزب الله في مواجهات مع إسرائيل، خصوصاً 2000 و2006، رفعت مكانته لمستوى رمز عربي ـ إسلامي.
 
ـ قدرته على تحريك مشاعر الهوية والكرامة ضد "العدو الإسرائيلي" أكسبه جماهيرية واسعة حتى خارج بيئته المذهبية.
 
كيف تقيّمون مستقبل المقاومة في لبنان والمنطقة بعد استشهاد السيد حسن نصر الله؟

حزب الله اللبناني ليس حزباً فردياً، بل يمتلك مؤسسة قيادية (مجلس شورى، مجلس جهادي، مجلس سياسي)، لذلك سيستمر بآلياته، لكن غياب الكاريزما الخاصة للشهيد نصر الله سيترك فراغاً كبيراً. ومن الطبيعي قد تتغير سياسة القيادة بتغير القائد سلباً أو إيجاباً والصفات التي ذكرناها في السؤال الاول قد يصعب إيجاد شخصية متطابقة مع شخصية السيد حسن نصر الله بشكل كامل، والشخص القريب لشخصيته هو السيد صفي الدين والذي أستشهد بعده بسرعة لم تمهل المنيه ليخلفه ..ولهذا من الطبيعي أن تتأثر المقاومة اللبنانيه بشكل واضح.

كان أحد أولويات الشهيد نصر الله، بالإضافة إلى الجهاد والمقاومة، هو مصاحبة القرآن وتلاوة آياته، إلى أي مدى كانت قراراته مستوحاة من المعارف القرآنية؟

سؤالك دقيق جدًا، لأنه يلامس الجانب العقائدي والروحي في شخصية السيد حسن نصر الله، وهو جانب غالباً ما كان يؤكد عليه في خطاباته، خصوصاً عندما يتحدث عن البُعد المعنوي والإيماني في مسيرة المقاومة.
 
يمكن القول إن القرآن الكريم لم يكن مجرد كتاب تلاوة بالنسبة له، بل كان مصدر إلهام ومرجعية عملية انعكست في مواقفه وقراراته. حيث أنه اعتبر أن المقاومة كفريضة قرآنيه وكان يعتبر الجهاد ضد الاحتلال الاسرائيلي تطبيقاً مباشراً لقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة: 190].
 
لذلك كان يكرّر السید حسن نصرالله أن مقاومة إسرائيل ليست خياراً سياسياً بل تكليفاً شرعياً مستندًا إلى النص القرآني.
الشهيد نصرالله كان يعتبر مقاومة إسرائيل تكليفاً شرعياً مستنداً إلى النصّ القرآني
إلى أي مدى تعتبرون غياب شخصية السيد حسن نصر الله مؤثراً في بعض التحركات لنزع سلاح المقاومة اللبنانية؟
 
قوى لبنانية طالما طالبت بنزع السلاح (مثل القوات اللبنانية وحزب الكتائب وبعض تيارات 14 آذار) ستجد في غياب الشهيد نصر الله فرصة لتصعيد خطابها، وستدفع باتجاه القول إن "المقاومة مرتبطة بشخصية كاريزمية انتهت، وحان وقت دمج السلاح بالدولة".
 
أولاً: البيئة الشيعية: رغم تعلقها بالمقاومة، إلا أن غياب القائد التاريخي قد يضعف المناعة الشعبية ضد خطاب المطالبة بنزع السلاح، لكن بالمقابل، هذه البيئة تعتبر السلاح ضمانة وجود، لذا من غير المتوقع أن تتخلى عنه بسهولة.
 
ثانياً: على المستوى الإقليمي والدولي: إسرائيل ستعتبر غياب نصر الله فرصة ذهبية لتكثيف الضغوط على الحزب دولياً وسياسياً، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن البنية العسكرية للحزب ليست مرتبطة بفرد، وأن أي محاولة عسكرية لفرض النزع قد تشعل حرباً.
 
ثالثاً: الولايات المتحدة والغرب: قد يدفعون أكثر باتجاه مشروع دمج الحزب في الدولة اللبنانية بحجة أنه لم يعد يمتلك زعيماً بمكانة السيد حسن نصر الله وسيستغلون اللحظة للترويج لفكرة أن السلاح بلا قائد كاريزمي سيصبح "عبئًا داخليًا" أكثر منه قوة مقاومة.
 
رابعاً: إيران ستتمسك ببقاء السلاح باعتباره ركيزة من ركائز محور المقاومة. قد تعمل على إبراز قيادة جديدة بسرعة، حتى لا يُنظر إلى غياب نصر الله كنافذة لإضعاف السلاح.
 
ما هو رأيكم حول دور ومكانة السيدحسن نصر الله في دعم القضية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني المظلوم؟

بالنسبة للفلسطينيين، كان الشهيد السيد حسن نصر الله شخصية عابرة للحدود الطائفية والمذهبية، ورمزاً جامعاً لقضية فلسطين. بعد حرب تموز 2006، ارتفعت شعبيته في غزة والضفة الغربية والشتات، حتى وُصف بأنه "قائد عربي لم يتخلَّ عن فلسطين".

وتضمنت خطب السيد حسن نصرالله دائماً تأكيداً بأن "القدس وفلسطين هي القضية المركزية"، وكان يذكّر بأن المقاومة في لبنان وفلسطين معركة واحدة ضد المشروع الصهيوني.

كيف تقيمون إتباع الشهيد نصر الله لتوجيهات قائد الثورة الاسلامية الايرانية وإتباعه لولاية الفقيه؟

إتباع السيد حسن نصر الله لولاية الفقيه لم يكن شكلياً، بل كان التزاماً عقائدياً عميقاً وترجم عملياً في القرارات الكبرى، وهذا الالتزام جعله "القائد الأبرز في محور المقاومة" وأكسبه شرعية قوية داخل بيئته، لكنه في المقابل حمّله عبء التهم بالارتباط المطلق بإيران.
 
يمكن القول إن السيد حسن نصر الله كان النموذج الأوضح لتجسيد فكرة ولاية الفقيه خارج إيران، لأنه طبقها سياسيًا وعسكريًا في بيئة معقدة مثل لبنان.

الشهيد نصرالله كان يعتبر مقاومة إسرائيل تكليفاً شرعياً مستنداً إلى النصّ القرآني
ما هو رأيكم بالنسبة الى دور الشهيد نصر الله في بناء الهوية العالمية للشعب اللبناني؟

يمكن القول إن دور السيد حسن نصر الله في بناء الهوية العالمية للشعب اللبناني كان استثنائياً ومعقداً في آن واحد، إذ نقل صورة لبنان من مجرد دولة صغيرة محاصرة بأزماتها الداخلية إلى فاعل مؤثر في معادلات الصراع الإقليمي والدولي. ويمكن تفصيل ذلك في عدة مستويات:

ـ الهوية المقاوِمة: بفضل قيادة الشهيد نصر الله، ارتبط اسم لبنان عالمياً بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً بعد انسحاب إسرائيل عام 2000 وصمود حرب تموز 2006، هذا رسّخ هوية وطنية جامعة على الأقل في بُعدها الخارجي جعلت من لبنان نموذجاً "لدولة صغيرة تهزم قوة إقليمية كبرى".

ـ البُعد الإسلامي – الشيعي: خطاب الشهيد نصر الله وموقع حزب الله اللبناني في محور المقاومة جعلا لبنان مرجعاً عالمياً للشيعة في مقاومة إسرائيل والهيمنة الأميركية، وهنا أسهم في تكوين صورة لبنان كـ"منصة للعقيدة الجهادية الشيعية"، مرتبطة بولاية الفقيه في إيران.
 
البُعد العربي والإقليمي: تجاوزت شخصية السيد حسن نصر الله الحدود اللبنانية، فأصبح رمزاً في وجدان الشعوب العربية، وارتبط اسمه بالممانعة ورفض التطبيع. هذا منح لبنان بُعداً قومياً وعربياً جديداً، على الرغم من الانقسام الداخلي حوله.
 
 الصورة الدولية: الشهید نصر الله أعطى للبنان وزناً في المحافل العالمية، بحيث صار جزءاً من ملفات التفاوض الكبرى بين واشنطن وطهران، وبين القوى الغربية والشرق الأوسط.

ما هو  الدور الذي لعبه الشهيد السيد حسن نصر الله في تشكيل خطاب المقاومة؟
 
الشهيد السيد حسن نصر الله لعب دوراً محورياً في تحويل المقاومة من فعل محلي لبناني إلى خطاب عالمي متعدد الأبعاد: ديني، سياسي، إنساني، وإعلامي.

لقد جعل المقاومة هويةً ومشروعاً يتجاوز الحدود، بحيث أصبح له أثر مباشر على الرأي العام العالمي، وأدخل إسرائيل وأميركا في معركة "سردية" لم تكن معتادة.
captcha