
ومن عمق البحر المتوسط، حيث تلتقي الأمواج بصمت التاريخ، انطلقت صيحة عالمية ترفض الصمت.
أسطول الصمود لم يكن مجرد سفن، بل كان ضمير العالم يتحرك في مواجهة آلة القمع. أكثر من 700 ناشط من 40 دولة، يحملون الخبز والدواء، وراية الإنسانية، انطلقوا من برشلونة نحو
قطاع غزة، ليقولوا للعالم إن الضمير حي وأن العدالة لن تُسكّت.
لكن
الاحتلال الاسرائيلي لم يسمح بعبور القوارب. استُخدمت سفن حربية وطائرات مسيّرة ووحدات كوماندوز لاعتراضها في المياه الدولية، وُهجّت المواد الكيميائية لإرهاب الركاب، واعتُقل النشطاء قسراً، بينهم حفيد نيلسون مانديلا، ونُقلوا إلى ميناء أسدود حيث تفاخر وزير الأمن بن غفير بمعاملتهم "بأدنى مستوى".
إقرأ أيضاً:
أي تهديد هذا الذي يخشاه الاحتلال؟ هل الخبز خطر على الجيوش؟ أم الأدوية على الأسلحة؟
الحقيقة واضحة: العدو ليس من يدافع عن أرضه، بل من يحوّل البشر إلى أرقام والحياة إلى سجن مفتوح.
رغم القمع، لم تُطفأ شعلة الأسطول: فرنسا وإيرلندا طالبتا بالإفراج عن مواطنيهما واحترام القانون الدولي. تركيا أدانت الاعتداء بـ"جريمة دولية". الأمم المتحدة شددت على حماية المدنيين في المياه الدولية.
حتى داخل الكيان نفسه، ارتفعت أصوات معارضة تقول بوضوح: لا أمن يُبنى على القمع.
غزة اليوم ليست مجرد قضية فلسطينية، بل امتحان أخلاقي عالمي. كل من يسكت على الحصار أو يبرر الاعتداء على النشطاء أو يغطي على بن غفير وشركائه، إنما يقف ضد الإنسانية نفسها.
الرسالة واضحة: العدو الحقيقي للإنسانية هو الكيان الصهيوني وداعموه. كل قمع، كل حصار، كل إساءة هو جزء من مشروع إبادة.
اليوم أمام كل إنسان حر خياران:
أن يكون صوتاً للحقيقة، ناشراً الوعي وكاشفاً الزيف.
أن يصمت، فيصبح جزءاً من آلة القمع.
غزة تقول لكم: لن تُقهَروا ما دام في العالم ضمير ينبض.
والأسطول يثبت أن الإرادة الإنسانية أقوى من أي حصار، وأن الطفل الجائع والطبيب المحاصر يستحقان الحياة. هذه ليست معركة سياسية أو عسكرية، بل معركة إنسانية، والفوز فيها حليف من يقف مع الحياة والحرية.
أنتم لستم وحدكم... والعدو ليس إلا عدو الإنسانية جمعاء.
بقلم الكاتب والمحلل السياسي اليمني "عدنان عبدالله الجنيد"