
 
لَمّا كان 
الباطل زهوقاً بطبعه، لأنه لا يجوز أن يكون، في مقابل الحق الذي يجب أن يكون، فإن الذي يركب الباطل كمن يركب سيارة مهترئة مشحونة بالأعطال، قد تتقدم به مسافة ما لكنها لن تبلغه الغاية، ستتعطَّل به في أول الطريق أو وسطه.
لقد تحدث
 القرآن الكريم في كثير من آياته الكريمة عن الصراع المستمر بين الحق والباطل، وقرَّر في جميعها أن الباطل مهما صال وجال، ومهما كبر وتعاظم، فإنه زاهق لا محالة، إنه سريع الانكشاف، والافتضاح والزوال، بخلاف الحق الذي من شأنه الثبات والدوام، وقد ضرب الله مثلاً رائعاً لتبيان هذه الحقيقة الكبرى، فقال سبحانه: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴿الرَّعد: 17﴾.
 
 
إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية، وهو يَلمُّ في طريقه غُثاء ورغوة وزبداً، فيختلط بالماء، ويُعكِّر صَفوه، حتى ليبدو لعين الغُرِّ الجاهل أن ما يراه هو غثاء وزبد وحسب، وأن لا شىء وراء هذا، لكن هذا الزَّبد النافش الرائب المنتفخ، يبقى زبداً وغثاءً، فهو كسحابة الصيف لا تلبث أن تنقشع، فيظهر الماء من تحته صافياً نقياً،  ينفع الناس ويحمل إليهم النفع والخير والحياة لكل حَيٍّ. 
 
ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة، فالباطل يطفو ويعلو و ينتفخ، ويبدو رابياً طافياً ولكنه في حقيقته زَبَد أو خَبَث، ما يلبث أن يذهب جُفاء مطروحاً لا حقيقة له ولا تماسك فيه، ولا دوام له، فأمّا الحَقُّ يظل هادئاً ساكناً، وربما يحسبه الناس ولا سيَّما الجاهلون منهم، قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات، ولكنه هو الباقي في الأرض كالماء المُحيي ينفع الناس. 
 
وقال تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴿الإسراء: 81﴾. هذه الآية الكريمة أذانٌ من الله تعالى أن الحق يجيء ولو طال مجيئه، وأن الباطل زهوق مندحر ولو طال بقاؤه، حقيقة يقررها بصيغة التوكيد، وإن بدا للنظرة الأولى أن للباطل صولة ودولة، فالباطل ينتفخ ويختال، وينفش ريشه، لأنه باطل لا يطمئن إلى حقيقة، ومن ثم يحاول أن يُمَوِّه على الناس، وأن يبدو عظيماً كبيراً ضخماً راسخاً، ولكنه هَشُّ، ضعيف، سريع العطب، كشُعلة الهَشيم ترتفع في الفضاء عالياً ثم تخبو سريعاً وتستحيل إلى رماد، لأنه لا يحمل عناصر البقاء في ذاته، إنما يستمد حياته الموقوتة من عوامل خارجية، فإذا تخلخلت تلك العوامل، تهاوى وانهار، فأما الحق فمن ذاته يستمد عناصر وجوده، قد تقف ضده الأهواء وتقف ضده الظروف ويقف ضده الطُّغاة، ولكن ثباته واطمئنانه يجعل له العُقبى ويكفل له البقاء.
 
ومن ثَمَّ فمن يركب مركب الباطل، ويتخذه مَطيَّة ووسيلة، فحتماً ينتهي إلى الانهيار، وسقوطه محقَّق،  وعاقبته إلى وبال.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي