ایکنا

IQNA

الأقليات في خطر، ونصيحة إلى إسرائيل: العنف لا يجلب السلام

15:37 - November 04, 2025
رمز الخبر: 3502295
بيروت ـ إکنا: إن أمريكا وإسرائيل ترتكبان خطأً فادحاً بالضغط على لبنان، لانها تضع المسيحيين والشيعة بمواجهة، الغاية منها تدمير الاثنين معاً، فالاقلية اللبنانية محكومة بالتعايش، وسقوط أحدهم يعني سقوط الجميع. ومن يتوهم غير ذلك فهو جاهل بالتاريخ والمستقبل معاً.

ويؤمن العرب والمسلمون إيمانًا مطلقًا بقوله تعالى: "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ". لكنهم يطبقون هذا القول على أرض الواقع، فلا يرضون عن اليهود والنصارى والشيعة والعلويين والدروز وغيرهم حتى يتبعوا ملتهم، وكل ما عدا ذلك هو ضربٌ من المداهنة.

لقد قاتل المسلمون المسيحيين في أوطانهم حتى كاد وجودهم أن يُمحى من وطن المسيح نفسه، ولولا الحروب الصليبية لربما اختفى ذكرهم من المنطقة منذ قرون. كما قاتلوا أبناء الطائفة الشيعية، رغم أنهم لم يشكلوا يومًا أي تهديد للمسلمين، لا بعددهم ولا بقوتهم، منذ استشهاد الإمام الحسين(ع) أعزل إلا من أهله.

لذلك، ليس ما أكتبه اليوم رغبة في جلد أحد، بل محاولة لقول الحقيقة كما هي. أكتب كمراقب يدرك أن ما يجري أكبر من إسرائيل وأعمق من أمريكا، وأن الخطر لم يعد على الأنظمة، بل على وجود الدول نفسها. فالمنطقة، بكل تشابكها، تعيش على حافة الزوال.


إقرأ أيضاً:


ثمة قراءة لا تحتمل الجدل: بلاد مثل لبنان وسوريا والأردن وما تبقى من فلسطين تواجه خطر الاندثار الفعلي. الأسباب كثيرة، لكن المؤكد أن الزمن لم يعد حليف هذه الكيانات الصغيرة المحاصرة بين أحقاد التاريخ وأطماع الجغرافيا.

الأردن: 

منذ تأسيسه، يعيش الأردن على أنفاس الخارج. اقتصاده ريعي هش، ومجتمعه يختزن تناقضات قبلية نائمة تحت الرماد. تاريخيًا، ظل الأردن يخشى أن يكون الحل الفلسطيني على حسابه، وهو هاجس يقف اليوم بين خطرين: اختناق اقتصادي وانفجار ديموغرافي، وكلاهما كفيل بإضعاف كيان لم يعرف استقرارًا مطمئنًا، كما لا يعرف تواصلا مع البحر.

سوريا:

لم تعرف سوريا الاستقرار منذ استقلالها. عاشت عقودًا على إيقاع الانقلابات، حيث كان يصبح الشعب السوري على اسم رئيس ويمسي على اسم رئيس، حتى جاء حافظ الأسد فبنى دولة قوية ومكتفية، لكن حين تبدل الزمن، بدل ان يشكر حافظ الاسد، قاموا باقتلاع قبره "والبول عليه" فقط لانه علوي مع انه حرم طائفته واقصاها، وعادت الطائفية لتنهش الجسد السوري وكأنها خرجت من تحت الركام. اليوم، سوريا مقسمة، تتنازعها الرايات والمذاهب، واصبحت "دولة إسلامية" في مجتمع متعدد الأديان. فأين سيكون موقع العلويين والدروز والمسيحيين والشيعة؟ من الواضح أن سوريا تتجه نحو أزمة وجودية، لا نحو تعافٍ كما يوهمنا البعض.

والسوريون الذين يشتمون حافظ الاسد والبعث بسبب انه ظلم السوريين، هم انفسهم يمجدون بصدام حسين والبعث لانه نكل بالشيعة وظلمهم، اذا المشكلة ليست بالظلم، او العدل، بل في الطائفة التي ينتمي اليها.

لبنان: الوطن المعلّق على صليب الطوائف

أما لبنان، فقصته صرخة في وجه التاريخ. بعد تحول سوريا، بقي لبنان الدولة الوحيدة في المشرق ذات الكتلة المسيحية الحاكمة في نظامها السياسي. لكن إلى متى سيقبل العالم العربي بأن يكون رئيس لبنان مسيحيًا؟ لقد تضاءل الوجود المسيحي من فلسطين إلى المغرب، وصار في لبنان أقل من الثلث، وفي سوريا تقلص بشكل مأساوي. إنها مأساة أمة عربية لم تستطع حماية من صنع نهضتها الفكرية الأولى.

لبنان مريض، ويحتاج إلى جراحة تستأصل داء الطائفية. لكن من يجري العملية؟ هل الماروني المتشبث بامتيازاته؟ أم الشيعي الذي يظن أن القتال الدائم يحميه؟ نظرية "تحالف الأقليات" كانت فكرة بحجم المعجزة للبقاء في وجه طوفان الأكثرية، مما يثبت أن أسلافنا كانوا أكثر وعيًا منا. لكن السؤال اليوم: من بقي ليطبقها؟

على الشيعة أن يسألوا أنفسهم: ماذا بعد؟ لقد قدموا الدم والقادة من أجل فلسطين، فهل احتضنهم العالم السني؟ أم أن مفتي دمشق اتهمهم بأنهم "خطر على الإسلام" بينما كانت دماؤهم تسيل دفاعا عن فلسطين؟ قاتل الشيعي دفاعًا عن القدس، فاتُّهم بالخيانة للإسلام. وحين حرر جنوب لبنان، اتُّهم بالتبعية لإيران.

أما الدروز، فلم يجدوا من يحميهم إلا إسرائيل لتستغلهم في صراعها وحروبها. وإذا كان الإسلاميون لم يتقبلوهم على مدى قرون، فهل يعتقدون أن شعارات العروبة ستحميهم غدًا؟

والمسيحيون، الذين كانوا روح النهضة العربية، يتضاءل وجودهم حتى صار لبنان آخر قلاعهم. لكن ما قيمة القلاع إن كانت محاصرة بالخوف من غدٍ قادم لا محالة؟

وصولًا إلى إسرائيل: قوة بلا حكمة

أثبتت إسرائيل أنها الأقوى عسكريًا، لكنها لم تثبت أنها الأذكى سياسيًا. هل يدوم أمنٌ يقوم على الخوف؟ قد تملك إسرائيل جيشًا لا يُقهر، لكنها لا تملك حقًا أخلاقيًا في البقاء وسط بحر من الكراهية. فماذا ستجني من القتل؟ هل تصنع الدماء سلامًا أم تؤجل الانفجار القادم؟

وهل حقيقة انه يحق لاسرائيل "وخلفها امريكا"، ان تفتخر بانها الدولة الاقوى والاعظم والاكثر تطورا بين دول تصنف كدول عالم عاشر، وهل حلم اليهود الليبراليين الذين حصدوا نصف جوائز "نوبل" بان يسودوا منطقة تعيش في القرون الوسطى، وان يكونوا امة ارتكبت افظع المجازر وشاركت بقتل الاقليات التي تدافع عن نفسها.

وهل يطمئن ضمير يهودي يرى صور الأطفال القتلى تلاحقه في كل محفل دولي؟ إنها وصمة لن تغسلها بيانات التبرير. كما ان السلام لا يُفرض بالقوة، لأنه استسلام مؤقت. وإذا كانت إسرائيل جادة في أمنها، فلتنسحب من جنوب لبنان وتدع اللبنانيين لشأنهم.

إن أمريكا وإسرائيل ترتكبان خطأً فادحًا بالضغط على لبنان، لانها تضع المسيحيين والشيعة بمواجهة، الغاية منها تدمير الاثنين معاً، فالاقلية اللبناية محكومة بالتعايش، وسقوط أحدهم يعني سقوط الجميع. ومن يتوهم غير ذلك فهو جاهل بالتاريخ والمستقبل معاً.

كلمة أخيرة

الحياة لا تُعاش بنصف هوية وانتماء، والأمم لا تُبنى بإقصاء أقلياتها. العالم العربي الذي يضم خمسمائة مليون إنسان ومساحته ممتدة من المحيط الأطلسي غربًا إلى الخليج العربي شرقًا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالًا إلى عمق إفريقيا جنوبًا، لم يستطع بعد 1400 عام أن يتقبل خمسين مليونًا من أبنائه المختلفين فكريا فقط. هذه الحقيقة، أكثر من الحروب، هي ما يهددنا جميعًا.

قد تكون إسرائيل هي الرابحة عسكريًا، لكنها الخاسرة وجوديًا. والعرب المهزومون سياسيًا، هم أيضًا خاسرون على المستوى الفكري والأخلاقي والحضاري.

لذلك، لا بد من العودة إلى طاولة العقل. فلنجرّب، ولو لمرة واحدة، الذهاب إلى هدنة طويلة الامد تشمل الجميع، دولًا وطوائف، ولننتظر لنرى ما قد ينتج عنها.

بقلم الكاتب والمحلل السياسي الدكتور ناجي علي أمهز

captcha