ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

مَنْ اسْتَسْلَمَ إِلى اللّهِ اسْتَظْهَرَ

22:36 - December 24, 2025
رمز الخبر: 3502946
بيروت ـ إکنا: القوة الحقيقية لا تتولّد من أدوات مادية وحسب، بل من انفتاح القلب على الله، وانقطاع كامل إليه، ومن يقين بمعيَّته، ومن توكُّل حقيقي عليه، والاعتقاد بأن القوة الحقيقية هي لله، وأن الله هو الذي يقوِّي عباده ويُثَبِّتهم في صراعهم مع الشياطين والطغاة. 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ اسْتَسْلَمَ إِلى اللّهِ اسْتَظْهَرَ".
 
من سكن الإيمان قلبه، وملأ اليقين بالله فؤاده، وعاد إلى الله في جميع أموره، ولجأ إلى حِماه، وأحسَّ بالافتقار الكامل إليه، وأظهر عجزه بين يديه، واستغاث به، أغاثه الله وحماه، ودفع عنه كُلَّ أذى، وهداه، وكان له دليلًا ومُرشِدًا ومُعينًا وناصرًا.

إنّ الإنسان في هذه الحياة أشبه براكب سفينةٍ تمخر عُباب البحار، وتعصف بها أمواج عاتية، فإن لجأ إلى الله وتوكَّل عليه، وقام بما يقدر عليه، بلغ الساحل ونجا، فاليقين بأنه في عين الله ورعايته، وأن الله لن يتركه يصارع وحده، بل يهديه ويسدده، ويحيطه بعنايته، يعينه على تجاوز أعظم المصاعب، وأقسى الظروف، وأعقد الأزمات.
 
الاستسلام لله هو الذي نراه في دعاء فتية أهل الكهف الذين تركوا دار الكفر وخرجوا منها ليحفظوا إيمانهم، خرجوا منها لا يعرفون إلى أين يتوجهون، لكنهم كانوا موقنين أنهم في عين الله تعالى فلجأوا إليه داعين: رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴿الكهف: 10﴾. 
 
وكذلك نراه في يقين النبي إبراهيم (ع) بأن الله لن يخيِّب ظنَّه به، حيث قال: ...إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴿99﴾ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿100﴾ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿الصافات: 101﴾
 
وهو يعلن براءته من الأصنام والأوثان والآلهة المُتَوَهَّمة ويلجأ إلى الله تعالى الخالق لكل شيء، وبيده أمر كل شيء: قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴿75﴾ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴿76﴾ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿77﴾ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴿78﴾ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴿79﴾ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﴿81﴾ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴿82﴾ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴿الشعراء: 83﴾
 
وها هو النبي موسى (ع) يبلغ الكرب بقومه مداه الأقصى، ففرعون وجنوده من ورائهم، والبحر من أمامهم، وإن هي إلا دقائق تمر فيهجم الموت عليهم، ولا مناص، ولا مُعين: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴿61﴾ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴿62﴾ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴿63﴾ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ﴿64﴾  وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴿65﴾ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴿الشعراء:66﴾. 
 
ونرى ذلك في موقف أنصار رسول الله (ص) المخلصين الذين لَبّوا نداءه للخروج إلى الأعداء رغم ما أصابهم في معركة أُحُد حيث قال تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿172﴾ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿173﴾ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴿آل عمران: 174﴾.
 
إن الله تعالى لا يمكن -في لطفه ورأفته ورحمته- أن يترك أولياءه وشأنهم، يواجهون مصيرهم من دون أن يُسَدِّدهم ويؤيدهم وينصرهم، لكنه قد يؤخِّر عنهم ذلك لمصالح شَتّى، وِحَكمٍ كثيرة، ولعل منها أن يبلغوا مرحلة اليقين بأن الأمور بيد الله وحده، ويكشفوا عن عجزهم المطلق فيتوجهوا إلى الله بقلوب يملؤها اليقين برعايته تعالى. 
 
فالقوة الحقيقية لا تتولّد من أدوات مادية وحسب، بل من انفتاح القلب على الله، وانقطاع كامل إليه، ومن يقين بمعيَّته، ومن توكُّل حقيقي عليه، والاعتقاد بأن القوة الحقيقية هي لله، وأن الله هو الذي يقوِّي عباده ويُثَبِّتهم في صراعهم مع الشياطين والطغاة. 

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha