ایکنا

IQNA

محور المقاومة وإشكالية الموقف في الدين والسياسة

22:28 - November 16, 2025
رمز الخبر: 3502455
السياسة في الدين تعني القيام على الشيء بما يصلحه، فهي تتجاوز الإطار التدبيري، لتكون رؤيةً ومنهجًا في حياة الأمم والشعوب، ويأتي في طليعة ما تعنيه السياسة من إصلاح وتربية ورؤية ومنهج،

وتعرّف الإشكالية بأنها القضية، أو السؤال العلمي المعقّد، الذي يتّسم بالغموض، ويطرح جملةً من التعقيدات والتناقضات التي تحتاج إلى حلول، وأكثر ما تواجهنا هذه القضايا الأسئلة في مجالات المعرفة والثقافة، وفي ما نعايشه من أطروحات دينية وسياسية. 

لقد كثرت في الآونة الأخيرة أسئلة السياسة في أجواء الصراع مع العدو، وقد لا يكون غريبًا التباس الموقف في سياسات محور المقاومة، وما اعتمده من وسائل لمواجهة العدوان الصهيوني، فكان أكثر الأسئلة إلحاحًا على القادة والمسؤولين، هو لماذا الخطأ، أو سوء التقدير لما كان عليه العدو من خطط، واستعدادات هائلة للمواجهة؟


إقرأ أيضاً:


لا شك في أن هذا السؤال فرضته طبيعة المعركة مع العدو، أما بشأن التساؤلات في ما قبل ذلك، فهي كثيرة، تبدأ من الاجتهاد الديني ولا تنتهي بالسياسي فحسب...فسؤال القضية النووية في إيران والموقف الديني منها شابه من الغموض ما يكفي لإعلان التخبط في المنهج والرؤية معًا! 

فالموقف ليس ملتبسًا لدرجة الذهول عن إدراك الموقف الحق اتجاه هذه القضية، ولكنّ الأداء الرسمي، وكذلك الثوري، هو الذي يُثير التساؤلات حول جدوى هذا الغموض النووي تحت العنوان الديني! وقد بيّنا في مقالة سابقة معنى ووجوب هذا الأمر على الأمة الإسلامية، لأنه داخل في مصاديق مفهوم القوة. هذا أولًا.

ثانيًا: إن السياسة الإسلامية التي يعتمدها محور المقاومة ليست بعيدةً عن هذا المنحى الإشكالي، وذلك لجهة ما تؤديه السياسة من وظائف. فالسياسة في الدين تعني القيام على الشيء بما يصلحه، فهي تتجاوز الإطار التدبيري، لتكون رؤيةً ومنهجًا في حياة الأمم والشعوب، ويأتي في طليعة ما تعنيه السياسة من إصلاح وتربية ورؤية ومنهج، الصدور عن موقف واضح اتجاه قضايا الناس، وما يتفاعلون معه من أحداث، بحيث لا يلتبس الموقف الديني، ولا السياسي في التعبير عن القضايا المحقة، وقد شهدنا مثل هذا الالتباس في القضية النووية، كما أشرنا، ولا يزال الموقف من هذه القضية موضع اهتمام عالمي، لكونه يشكل انعطافة استراتيجية في سياسة الأمة فيما لو تم اعتماده كخيار في سياسة الدولة الإسلامية.

ثالثاً: يبدو لنا أن محور المقاومة في كثير من تعبيراته الدينية والسياسية، يتناقض لدرجة الذهول عن مقاصده في إدارة الصراع مع أعدائه، فهو يختار الموقف، ثم يلتبس في التعبير عنه على نحو يثير الهواجس حول ما هو معتمد من سياسات لمواجهة العدو، فإذا كان الموقف صادرًا عن جوهر ما تقتضيه الرؤية الدينية، فلا ينبغي إثارة اللبس فيه، أو حوله!

فالمواجهة مع العدو ليست خاضعة للمزاج السياسي بقدر ما هي تعبير جوهري عن المقتضى الديني، فما معنى أن نتحدث عن أمن المستوطنات الصهيونية بعد أن كنا بصدد كتاب مفتوح نؤكد فيه على حتمية الدفاع عن النفس؟ فهل هذا وضوح في السياسة، أم هو التباس وتناقض في الدين؟ وما هو مسوّغ الخروج من قوة الكتاب المفتوح إلى صدمة الخطاب السياسي الملتبس في الأمن والسياسة؟

رابعاً: إن العدو، كما نعرف جميعًا، لا يبحث عن أمن جزئي هنا، أو هناك، فهو يريد أمنًا استراتيجيًا يخرجهُ من شمال فلسطين، ليكون في كل لبنان تمهيدًا لإسرائيل الكبرى! فالتطمين السياسي، أو الأمني لا جدوى منه في حساب المجال الحيوي لبني صهيون! فإذا كان المراد من التعبير السياسي لقادة المقاومة إثارة الهدوء، ومنع الحرب، فهذا ليس سبيله تلبيس الأمر على الناس دينيًا وسياسيًا، كما تفعل إيران في ملفها النووي! 

خامسًا: لقد اختار العدو حربه الوجودية بعد طوفان الأقصى، ومساراته أصبحت واضحةً ومحدّدةً، فليكن محور المقاومة واضحًا في خياراته، ليكون الناس على بصيرة في الدين والسياسة، وخصوصًا أن المحور وقادته لم يسبق لهم أن أحاطوا قضاياهم الدينية بالمناورات السياسية، أو تحدثوا إلى الناس عن جزئيات سياسية، أو أمنية!

 فحرب النقاط مع العدو لم تأتِ في يوم من الأيام على بعد أمني، أو سياسي، بل كانت دائمًا تتحدث عن بُعد عقدي في إدارة الصراع. فالعدو عازم على حربه الوجودية، كما إنه لا يبحث عن اتفاقات أمنية، وهذا ما يحتم على قادة المقاومة أن يكونوا أكثر حذرًا في تعبيراتهم الدينية والسياسية، لأن الإشكالية الكبرى تبقى كامنةً في تضارب المواقف وتناقضها في اللحظة التي ينبغي الوضوح فيها! فإذا كان لا بد من المناورة السياسية، فلتكن هذه المناورة بعيدةً عن استراتيجية الموقف على نحو ما فعل الإمام الصدر يوم قال للناس: "إن إسرائيل بوجودها، وبما لها من أهداف تشكّل خطرًا علينا محدقًا، على جنوبنا وشمالنا، على أرضنا وشعبنا، على قيمنا وحضارتنا، وعلى كل شأن من شؤوننا..."، والسلام.

بقلم أ. د. فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان

captcha