ایکنا

IQNA

السياسة الإسلامية ومنطق المداهنة

15:25 - November 21, 2025
رمز الخبر: 3502515
بيروت ـ إکنا: هناك فرق كبير بين السياسة التي يقدّمها القرآن الكريم في خطوطها العريضة على نحو ما جاء به القرآن من خطاب للنبوة في مواجهة الطواغيت،وبين سياسة المداهنة التي يتّبعها بعض المسؤولين في التعامل مع الأعداء.

هناك فرق كبير بين السياسة التي يقدّمها القرآن الكريم في خطوطها العريضة على نحو ما جاء به القرآن من خطاب للنبوة في مواجهة الطواغيت، وبين سياسة المداهنة التي يتّبعها بعض المسؤولين في التعامل مع الأعداء،فإذا كان العدو يعرّف السياسة بأنها فنٌ إدارة التكاذب على الناس، فلا ينبغي على الحاكم العادل والمؤتمن على مصالح العباد والبلاد، مجاراة العدو في كذبه ونفاقه أو مداهنته، لقوله تعالى:"فلا تُطع المكذّبين،ودُّوا لو تُدهنُ فيدهنون".

فالآيات ظاهرة الدلالة في نهيها عن الملاينة والمصانعة مع الأعداء،فهؤلاء ظلموا واعتدوا،وقد بلغوا في القتل والعدوانية مبلغًا،فما يكون معنى مداهنة العدو بشرط،أو من دون شرط؟ فأي نوعٍ هذا من المداهنة مع المخادعين الذين أظهروا في تفاوضهم كل مكر وغش وتكذيب!؟


إقرأ أيضاً:


فإذا كان التفاوض يفرض نوعًا من المناورة السياسية لتحقيق المصالح وبلوغ الأهداف،فلا أقل من أن يُدرك الحاكم أو المسؤول الديني أو السياسي حقيقة المفارقة القائمة بين مستوى أن يكون مناورًا أو مداهنًا،فليس كل شيء في السياسات العامة متأصلًا حتى يمكن البناء عليه،ومَن ساس العباد بغير وعي وفقه في ما يؤسس له القرآن من سياسة إسلامية عادلة،فمآل أمره إلى الانحراف والمداهنة مع الأعداء!

وهذا ما ينبغي التأسيس عليه في فهم أطروحة التفاوض مع العدو، فإما أن تحسن الظن بهذا العدو الماكر والمخادع؛ وإما أن تسيء الظن به! وقد بان لكل ذي عقل وحكمة مدى ما هو عليه هذا العدو من صلف وتكاذب في ما ينشده من مفاوضات بعد عدوانيته الموصوفة على بلاد العرب والمسلمين!

فمقولة أننا نشترط عدم تكرار العدوان أثناء المفاوضة،يمكن اعتبارها مداهنةً في السياسة،طالما أن العدو قد فاوض بالحرب والعدوان!ومن أين نأتي بالمسوّغات الشرعية والعقلية لدعوة التفاوض في ظل ما تلمّسه كل مسؤول من تكاذب ومخادعة في مفاوضة الأعداء؟

لقد اعتدى الأمريكي والصهيوني على العرب والمسلمين، وقتل القادة والعلماء، ودمّر العباد والبلاد،وهو لا يزال على مكابرته في الإهلاك والتدمير،ثم نتجاهل كل هذا لنسمعه بجدوى المفاوضة على أنقاض ما تسبّب به من خسائر مادية ومعنوية!؟

فكم نحن بحاجة إلى انسجام في منطق الدعوة إلى التحاور مجددًا مع الأعداء،وعلى فرض أنهم قبلوا بالشروط،وأعطوا التعهدات بأنهم لن يعتدوا،فهل نداهنهم على ذلك،ونلاينهم في الموقف تحسبًا وتوقعًا لأملٍ ما في إعادة الكرّة إلى التفاوض،فهـؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى:"ولو ردُّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون."!

ذلكم هو معنى قبول المداهنة في التخاطب السياسي أن نعطي العدو مزيدًا من الأمل في نفع مكابرته وجدواها!وإذا لم يكن الأمر كذلك،فليُفسر لنا المسؤول السياسي في بلاد المسلمين معنى هذا التسامح في أطروحة التفاوض بشرط عدم الاعتداء!

ومتى لم يكن هذا العدو معتديًا وقاتلًا؟إن شيئًا من ما نسمعه لا يمكن تعقله،ولا البناء عليه في تبيان الخطوط العامة للسياسة الإسلامية،كما جاءت في تأسيساتها القرآنية،وذلك بعد أن ظهر لنا من تحسبات القادة والمسؤولين،آمالًا بأن تعود الأمور إلى سياقاتها الطبيعية،كأن شيئًا لم يحدث!

ولم تقع الخسائر في أبشع عدوان على الأمة الإسلامية ومقدّراتها في أكثر من بلد إسلامي!إن ما يسميه بعض الساسة بالمناورة،هو الذي نسميه نحن بالمداهنة التي نهى الله تعالى عنها،ودعا إلى الحذر منها، وكما قال الإمام علي(ع): (لايقيم أمر الله تعالى إلا مَن لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتّبع المطامع)".

بقلم أ.د.فرح موسى:رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان

captcha