
وأشار إلى ذلك، حجة الإسلام والمسلمين "الشیخ محسن مهاجرنيا"، رئيس مركز دراسات الثورة الإسلامية "طلوع مهر" في قم المقدسة في الجلسة الـ284 من سلسلة ندوات الفكر الحرّ بعنوان "خطاب المقاومة" والجلسة التاسعة عشرة من تفسير "سورة الفتح المباركة.
وأشار إلى أهمية الآية الأخيرة من سورة الفتح المباركة "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"، وقال: "إن مفسرين كبار مثل العلامة "الطباطبائي" وآية الله "جوادي آملي" وصفوا الآية الأخيرة(الآية الـ29) من سورة الفتح المباركة بأنها هوية المجتمع النبوي، ونموذج المدينة الفاضلة، والخطة الشاملة للحضارة الإسلامية."
وأضاف: "إذا سُئل كيف أن صلح الحديبية، الذي کان ظاهره صلحاً وتسويةً، أدى إلى الفتح المبين والنصر الحاسم النهائي؟ فالجواب في هذه الآية."
إقرأ أيضاً:
وأردف مبيناً: "تبدأ الآية باسم الرسول الأعظم (ص) "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ"؛ أي أن سر الوصول إلى ذلك الفتح المبين يكمن في وجود النبي ومرافقة الأمة له."
واستطرد موضحاً: "في التفاسير الشائعة، غالباً ما يُنظر إلى هذه الآية من زاوية كلامية واعتقادية، ويُبحث عن أصل النصر فقط في الإيمان بالله والنبوة، ولكن من منظور التفسير السياسي، فإن هذه السورة بصدد تصميم نظام حكومي ورسم صورة لمجتمع سياسي، مجتمع خرج فيه القائد وجزء كبير من الناس إلى الميدان، وقد وعدهم الله بالنصر وجعل نصره يشملهم، وهو الآن بصدد رسم العلاقات الداخلية والخارجية لهذا المجتمع."
9 مؤشرات للمجتمع النبوي في سورة الفتح
وشرح عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للقرآن وتطوير العلوم في إيران مؤشرات المجتمع المثالي والمدينة الفاضلة التي رسمتها الآية 29 من سورة الفتح وأضاف: هذه الخصائص تم تصنيفها في أبعاد السياسة الخارجية والداخلية والروحية والاقتصادية؛ المؤشر الأول هو السياسة الخارجية القوية "أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ".
اعتبر الشيخ مهاجرنيا أن أول خاصية للمجتمع النبوي هي الحزم في مواجهة الأعداء وقال:"يجب على المجتمع الإسلامي أن يتصرف بناءً على السلطة في سياسته الخارجية وعلاقاته الدفاعية. هذه الشدة في العمل لا تقتصر على القائد، بل يجب أن يكون جميع أفراد المجتمع متحدين وحازمين في مواجهة الاستكبار.
وأشار إلى أن السمة الثانية هي التضامن والمحبة الداخلية "رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" والبنية الداخلية المحبة للمجتمع، وأضاف: المجتمع الديني ليس مجرد مجموعة من الأفراد الصالحين، بل هو كيان متكامل تتكون خيوطه من المحبة والرحمة، وهذا هو الفرق الجوهري بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الغربية.
وصرح أستاذ الحوزة والجامعة بأن الروحانية الشاملة والتواصل مع الله "تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا" هي المؤشر الثالث للمجتمع النبوي، وقال: تتشكل بنية المجتمع من كل فرد، في المجتمع المثالي، لكل مواطن علاقة عميقة مع الله، وهذا الركوع والسجود ليس مجرد عمل فردي، بل عندما يتم بناء أفراد المجتمع، يصبح المجتمع ككل إلهيًا وروحانيًا، العديد من المشاكل الاجتماعية تنبع من عدم بناء الأفراد، وتؤكد هذه الآية أن الصورة العامة للمجتمع النبوي هي صورة العبودية والعبادة.
واعتبر مهاجرنيا، الاقتصاد التوحيدي والتوكل "يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ" المؤشر الرابع، وقال: يطلب المجتمع الإيماني رزقه وتقدمه وتطوره من فضل الله، وهذا لا يعني نفي الجهد، بل يعني أن المؤمن يعتقد أن زمام الأمور بيد الله، ولا ينبغي الانحناء للقوى غير الإلهية من أجل الرزق والشهرة، فهم يؤمنون بأن الإرادة الإلهية فوق كل الإرادات، وكما انتصروا في الحديبية بأيدٍ خالية على العدو المسلح، فإن نظرتهم في الاقتصاد والمعيشة تتجه إلى الفضل الإلهي.
وأشار إلى الرضا الإلهي "وَرِضْوَانًا" وأضاف: الهدف الأسمى في هذا المجتمع هو كسب الرضوان الإلهي، المجتمع الذي تقوم علاقاته على المحسوبية والواسطة والكذب والخداع، ليس مجتمعًا إسلاميًا أبدًا، وجوهر المدينة الفاضلة هو طلب رضا الله في جميع شؤون الحياة.
وانتقد رئيس مركز دراسات الثورة الإسلامية "طلوع مهر" التفسيرات السطحية لهذه الآية قائلاً: يعتقد البعض أن أثر السجود يعني ظهور علامة في الجبين، والتي قد تكون مصحوبة أحيانًا بالرياء، لكن القرآن يقول إن أثر السجود يظهر في وجوههم؛ أي النورانية والإخلاص والروحانية التي تنبع من داخلهم. هذه السمة تدل على عمق الإيمان، وليس على المظاهر الريائية؛ وبناءً على هذه الآية، يجب القول إن الوجه النوراني والبعد عن الرياء "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ" هو المؤشر السادس للمجتمع الروحاني.
وأشار مهاجرنيا إلى الوعد "مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" وصرح: الإيمان بالمعاد والمغفرة الإلهية هو المؤشر السابع، الأمل في المغفرة الإلهية والإيمان بالجزاء الأخروي هو المحرك لهذا المجتمع، فمهما اجتهد المؤمن، يرى نفسه قاصرًا أمام عظمة الله، وهو دائمًا بحاجة إلى المغفرة، وهذه النظرة تمنع الغرور وتؤدي إلى ديناميكية دائمة.
وأشار أستاذ الجامعة إلى أن المتانة والتجذر هو المؤشر الثامن الذي ورد ذكره في التوراة، وقال: القرآن يقول إن مثل هذا المجتمع ورد أيضًا في التوراة. هذا المجتمع يشبه شجرة ضربت جذورها وأصبحت قوية، والنمو العضوي والاستقلال "كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ" هو المؤشر التاسع الذي ورد في الإنجيل.
وأوضح مهاجرنيا في شرحه للخاصية التاسعة، وهي تشبيه جميل جدًا في الإنجيل، قائلاً: يشبه القرآن المجتمع النبوي بالزرع الذي ينبت، ويقوى، ويقف على ساقيه "فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ". هذا النمو هو نمو عضوي، طبيعي، وداخلي، وليس نموًا بالونيًا أو مستعارًا.
وأضاف: هذا المجتمع ينمو بسرعة وقوة لدرجة أنه "يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ؛ يدهش المزارعين" وفي الوقت نفسه "لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ؛ يغيظ الكفار"؛ هذا النمو التطوري هو نتيجة تآزر المؤمنين. على عكس المنطق النفعي حيث يهتم كل شخص بنفسه، في هذا النموذج "رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"، يعتمد الأفراد على بعضهم البعض مثل سيقان الزرع ويساهمون في نمو بعضهم البعض.
واختتم رئيس مركز دراسات الثورة الإسلامية "طلوع مهر" قائلاً: "تُقدّم سورة الفتح بهذه الآية صورة متكاملة للحضارة الإسلامية الحديثة. مجتمع يقف على قدميه، غير تابع، ينبع من داخله، ثابت كالجبل في مواجهة العدو، ومليء بالحب في داخله. هذه هي الوصفة الإلهية الشافية لإصلاح المجتمعات المعاصرة، والتي يجب أن تكون أساس حكمنا وسلوكنا الاجتماعي".
4321149