
وأشار إلى ذلك، "الدكتور خوان كول"(Juan Cole)، أستاذ التاريخ في جامعة "ميشيغان" الأمريكية في محاضرة عبر الإنترنت نظمتها مؤسسة "انعكاس"، وقال: "أقدم مصدر لدينا لمعرفة حياة النبي (ص) هو القرآن نفسه، وأعتقد أن القرآن الكريم، على عكس رأي بعض المستشرقين، كتاب قديم وليس مصطنعاً بعد الرسول الأعظم (ص)".
وقال بأن تفضيل المصادر المتأخرة، التي كُتب العديد منها بعد 150 إلى 200 سنة من زمن النبي (ص)، يمكن أن يؤدي إلى تحريف التاريخ.
وأشار "الدكتور خوان كول" إلى أن الذكريات تتغير مع مرور الزمن، ويعتقد أن الروايات المتأخرة تأثرت بأحداث العصر العباسي.
وأكد هذا الأستاذ الأمريكي أن العديد من القصص الشائعة في السير الذاتية في العصور الوسطى المتعلقة بالنبي (ص) ليس لها أي أصل في القرآن الكريم، فإن هذا الكتاب المقدس يقدّم رواية أكثر موثوقية عن كيفية قيادة النبي (ص)، خاصة في السنوات من 628 إلى 630 ميلادياً (من السنة السادسة إلى الثامنة للهجرة)، عندما تمّ توقيع معاهدة السلام مع مشركي مكة.
إقرأ أيضاً:
وقال: "على سبيل المثال، أعتقد أن القرآن لا يجيز الحرب الهجومية، وأن الدفاع فقط هو المسموح به في القرآن، وهذا ليس ما كان يعتقده العباسيون."
واستشهد أستاذ التاريخ بجامعة "ميشيغان" الأمريكية بالآية 94 من سورة النساء "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"، موضحاً أن القرآن يأمر المسلمين بألا يحرموا السلام على من يتعاملون معهم بسلام.
وأشار أيضاً الى الآية الـ63 من سورة "الفرقان" المباركة "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"، قائلاً: "في تفسير هذه الآية، يعتقد المفكرون والعرفاء المسلمون أن عبارة "عباد الرحمن" تتجاوز الإشارة إلى عبودية الله. لقد اعتبروا هذه الآية إشارة إلى الصفات الباطنية للمؤمنين. صفات تعكس صفة رحمة الله".
وصرّح أستاذ التاريخ بجامعة "ميشيغان" الأمريكية بأن هذه التأكيدات تضعف الروايات اللاحقة التي تصوّر الإسلام على أنه محارب بطبيعته وتوسعي.
وتابع كول قائلاً: "إنّ القرآن يظهر حتى تسامحاً عملياً تجاه عبدة الأوثان.كما يقول القرآن في الآية 108 من سورة الأنعام: لا تسبوا آلهة المشركين لأنهم سيسُبّون الله أيضًا. كل قوم يرون آلهتهم جميلة. (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)".
وفي هذه المحاضرة، تناول خوان كول أيضاً الانتشار الأولي للإسلام خارج أراضي الحجاز، واستناداً إلى تقارير الطبري، وأوضح كيف أن حكام اليمن الساسانيين ربما قبلوا الإسلام طوعاً وليس نتيجة الفتوحات العربية".
وأضاف كول أن القرآن نفسه يشير إلى الحوار مع الزرادشتيين، الذين ذُكروا إلى جانب اليهود والمسيحيين؛ وقد يكون هذا دليلاً على أنه في زمن النبي (ص)، كان هناك تبشير بين الزرادشتيين ومحاولة لجذبهم إلى الدين الجديد.
وفي ختام حديثه، أشار هذا الباحث إلى كيفية تصوير القرآن لعودة المؤمنين السلمية إلى مكة المكرمة، وقال: "بعد دخولهم السلمي إلى مكة وإعادة عبادة الله الواحد في الكعبة، أصبح المؤمنون نموذجاً للفضائل الدينية والأخلاقية في العصور السابقة".
ومن وجهة نظر كول، يجب أن يظل القرآن هو النافذة الرئيسية لفهم رسالة النبي (ص)؛ وعلينا أن نقرأ المصادر اللاحقة بشك وحيطة، وعندما يوجد تناقض، يجب أن نقدّم القرآن.