
أقول هذا الكلام لأن ما جرى اليوم لم يكن مفاجئاً، بل هو تماماً ما حذّرتُ منه وبشّرتُ به في 24 – 11 – 2025، حين كتبت عن الإشارة التي ستكون إعلان نهاية الحرب، في مقال حمل عنوان: «الحرب انتهت، وحزب الله ليس مجنوناً، ولنشارك جميعًا في استقبال البابا».
يومها قلت بوضوح لا يحتمل التأويل: إن على قيادة
حزب الله اللبناني أن تعلن، بلا لبس، أنها لن ترد عسكرياً، وأن الرد من الآن فصاعداً هو واجب الدولة وحدها. وسألت حينها: ما الذي يخشاه الحزب؟
إسرائيل قصفت قطر، ولم يتحرّك العالم. ونتنياهو شرب الشاي قرب القنيطرة، ولم تهتز شعرة في رؤوس الأنظمة ولا في ضمائر الشعوب العربية. أما في لبنان، فإسرائيل تستبيح وتقتل يومياً، والدولة لا ترد. فكيف نطالب حزباً بما لا نطالب به الدول نفسها؟
اليوم، جاء قول الفصل على لسان سماحة الامين العلامة الفقيه الديني والسياسي الشيخ نعيم قاسم، في موقف يُسجَّل له تاريخياً، وله الفضل المباشر في وقف هذه الحرب، حين قال بشجاعة: «الدولة والجيش هما من يجب أن يحققا الردع، ووظيفة المقاومة مساندتهما، وأن تتصدى حينما لا تتصدى الدولة والجيش».
لم يكن هذا الكلام عادياً، ولا خطاباً استهلاكياً. كان إعلاناً واضحاً عن انتقال الحرب من منطق السلاح إلى منطق الدولة.
وجاء الرد الإسرائيلي سريعاً، وإن بصيغة غير مباشرة. فقد توقفت إسرائيل عن قصف المنزل المستهدف بعد أن كشفت عليه الجهات المختصة وتأكد خلوه من أي سلاح. هذا السلوك ليس تفصيلاً تقنياً، بل هو أول تطبيق عملي لبروتوكول وقف إطلاق النار، وبداية فعلية لنضوج التسوية. ومع بداية العام الجديد، نحن أمام عودة كبرى إلى الجنوب، وبداية مسار الإعمار.
"فالعالم باجمعه نقل ان إسرائيل تعلق القصف على قرية في جنوب لبنان بناء على طلب الجيش اللبناني"
وما جرى اليوم يطابق حرفياً القراءة السياسية التي قدّمناها في مقالنا المنشور بتاريخ 24 – 11 – 2025، حيث قلنا: إن كثيراً من القصف الإسرائيلي لما يُسمّى «مخازن السلاح» ليس أكثر من لعبة أعصاب. فلو كانت لدى إسرائيل معلومات دقيقة، لأبلغت الأميركي والأمم المتحدة، ولذهبت لجان الدولة اللبنانية إلى المواقع، وصادرت هذه المخازن لمصلحة الدولة. لكن المشكلة أن إسرائيل لا تملك معلومات دقيقة، وتخشى أن تفضح نفسها إن سمّت مخزناً لا وجود له، لذلك تلجأ إلى القصف لتخويف الداخل لا أكثر.
إسرائيل اليوم لا تحقق مكاسب حقيقية. على العكس، هي تكشف وجهها الأكثر عدوانية، فيما العالم، مهما طال صبره، لن يحتمل مشهد تدمير لبنان إلى ما لا نهاية. وكل حرب تتجاوز حدّها، تتحول إلى قوة تنقضّ على أصحابها.
من هنا، فإن ما أقدمت عليه إسرائيل اليوم لا يمكن قراءته إلا كاعتراف غير معلن بأن الدولة اللبنانية بدأت فعلياً بتنفيذ ما تعهّدت به، وأن الذرائع التي كانت تُستخدم لتبرير حرب كبرى أو تصعيد عنيف لم تعد قائمة. والدليل الأوضح على ذلك تراجعها عن قصف المنزل المستهدف بعد التحقق من خلوّه من أي سلاح، في سلوك يعكس انتقالاً من منطق الضربة إلى منطق الفحص والانتظار. صحيح أن اعتداءات محدودة قد تستمر لفترة قصيرة، ربما لشهر أو أقل، ريثما تكتمل عناصر التسوية، إلا أنها ستكون أخفّ وطأة وأدنى بكثير من مستوى التصعيد الذي شهدناه سابقاً.
بقلم الکاتب والمحلل السیاسي اللبناني الدكتور ناجي علي أمهز