ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الشرف صفة أخلاقية تُقَيِّمُ مستوى الفرد في المجتمع

14:50 - April 17, 2023
رمز الخبر: 3490779
بيروت ـ إکنا: لشرف صفة أخلاقية تُقَيِّمُ مستوى الفرد في المجتمع، ومدى ثقة الناس به، بناءً على أفعاله، وتصرُّفاته، وهذا ما يطلق عليه في الأدبيات الإسلامية (الحَسَب) والإسلام وإن كان يحترم الشرف النَّسَبي ويقدِّره ولكنه لا يقدِّمه على الشرف الحَسَبي، فحَسَب المَرْءِ أهمُّ من نَسَبِه.

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الشَّـرَفِ الْكِبْـرُ".

الشَّرَفُ لغة: العُلُوُّ والارتفاع، وأصله من شرف المكان أي ارتفع. ومنه قولنا: أشرف فلان على الشيء إذا صار فوقه، ومنه قيل: شُرفة القصر. ثم استعمل في كَرَم النَّسَبِ فقيل للقَرَشِي شريف، وكل من له نَسَبٌ مذكور عند العرب شريف، ولهذا لا يقال لله تعالى شريف كما يقال له عزيز.

أقول: الشرف صفة أخلاقية تُقَيِّمُ مستوى الفرد في المجتمع، ومدى ثقة الناس به، بناءً على أفعاله، وتصرُّفاته، وهذا ما يطلق عليه في الأدبيات الإسلامية (الحَسَب) والإسلام وإن كان يحترم الشرف النَّسَبي ويقدِّره ولكنه لا يقدِّمه على الشرف الحَسَبي، فحَسَب المَرْءِ أهمُّ من نَسَبِه، ورغم أن الانتساب إلى رسول الله (ص) يعتبر من أعلى درجات النَّسَب والشَّرَف لكن الإسلام يقول: "إنّ وَلِيَّ محمّدٍ مَن أطاعَ اللَّهَ وإن بَعُدَت لُحْمَتُهُ، وإنّ عَدُوَّ محمّدٍ مَن عَصَى اللَّهَ وإن قَرُبَت قَرابَتُهُ".

ولذلك نجد الروايات الشريفة تؤكِّد على أن الشَّرَف كلُّ الشَّرَف يكمن في السجايا والصفات الأخلاقية والنفسية التي يتمتع بها الشخص، وأن الشريف هو الذي شَرَّفه حسَبُه ورفعته أخلاقه، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إنّما الشَّرَفُ بالعَقلِ والأدَبِ، لا بالمالِ والحَسَبِ". وقال: "الشَّريفُ مَن شَرُفَت خِلالُهُ" وقال: "لا شَرَفَ كالعِلمِ" وقال: "لا شَرَفَ أعلى‏ مِنَ الإسلامِ" ويكشف (ع) عن صفات الإنسان الشريف وسلوكياته التي تمنحه شهادة الشرف، فيقول: "ذُو الشَّرَفِ لا تُبطِرُهُ مَنزِلَةٌ نالَها وإن عَظُمَت كالجَبَلِ الذي لا تُزَعزِعُهُ الرِّياحُ، والدَّنِيُّ تُبطِرُهُ أدنى‏ مَنزِلَةٍ كالكَلأِ الذي يُحَرِّكُهُ مَرُّ النَّسيمِ" ويقول: "مَن شَرُفَت نَفسُهُ كَثُرَت عَواطِفُهُ" ويقول: "مَن شَرُفَت نَفسُهُ نَزَّهَها عن دَناءَةِ المَطالِبِ" ويقول: "أفضَلُ الشَّرَفِ كَفُّ الأَذَى‏، وبَذلُ الإحسانِ" ويذكر (ع) أن من صفات الشريف كفُّه نفسه عن كل دنيء من الأفعال، واجتنابه المَحالَ التي لا يليق بمثله أن يكون فيها، واجتنابه التبذير والإسراف، وأَنَّه شخص عاقل، حكيم، يُحسِنُ تدبير أموره، شجاع، قوي الشخصية، لا تَثْقُلُ عليه الأمور، ولا يَنْكَلُ عن واجب، ولو تطلب منه ذلك أثماناً باهظة. 

ومن صفات الشريف التواضع، وكلما ازداد تواضعاً ازداد شَرَفاً، ولذلك كان أشرف الخلق محمد (ص) أكثرهم تواضعاً، كان يجلس بين ظهراني أصحابه فَيَجيء الغريب فلا يدري أيّهم هو، حتّى يسأل عنه، ويَخيط ثوبَه، ويَخصِفُ نَعْله، ويصنع ما يصنع الرجل في أهله، وكان إذا لقيه واحد من أصحابه قام معه، فلم ينصرف حتّى يكون الرجل ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناولها إيّاه، فلم ينزع عنه حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع عنه، وما أخرج ركبتيه بين جليس له قطّ، وما قعد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله رجل قطّ فقام حتّى يقوم.

الوَضيع هو الذي يتكبَّر لا الشريف، الخسيس يتعالى على الناس ويستطيل عليهم، فإن كان تكبُّرٌ من أي شخص كشف ذلك عن خِسَّة في نفسه، فهو يُغالي فيها تعويضاً عن النَّقص الذي يحسُّ به، وقد ينشأ التكبُّرُ مِنْ وَفْرَةِ العِلْم أو المال أو المَنصب الرفيع أو الجاه العريض، وقد ينشأ من العداء، والحسد، والمباهاة، فيدعوه كل ذلك إلى التطاول على الناس، وازدرائهم والسخرية منهم، وهذا لا يكون من الشريف أبداً، وهذا ما نبَّه إليه أمير المؤمنين (ع) بقوله: "آفَةُ الشَّـرَفِ الْكِبْـرُ".

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha