رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْحَديثِ الْكِذْبُ".
الكَذِبُ: هو الإِخْبارُ عن الشَّيْءِ على خِلافِ ما هو عليه، سَواء أكان عَمداً أم سَهواً، وسَواءٌ أَعُلِمَ بُطلانُ الخَبَرِ ضَرُورَةً أمِ اسْتِدْلالًا.
والكَذِبُ آفَةٌ مِن آفاتِ اللِّسانِ الخَطِيرَةِ، وصِفَةٌ قَبِيحَةٌ، ومن أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام والشرور، وداعية الفضيحة والسقوط، وهو نَوْعٌ مِن النِّفاقِ، لِما فيه مِن إخْفاءِ الحَقائِقِ وإِظْهارٍ لِخِلافِها، وكلاهما أسوأ وأعظم جريرة من الآخر.
إن من الكذب ما يكون بِاللِّسانِ، ومنه ما يكون بِالجَوارِحِ كالإِشارَةِ بِاليَدِ، ومنه ما يكون بِالقَلْبِ وهو الجُحودُ.
وكلها سواء في الجُرم والإثم، وفي النتائج والآثار، وفي العقوبة من الله تعالى، والسقوط من أعين الناس. وانعدام ثقتهم به، فلا يُصَدَّق الكذّاب وإن نطق بالصدق، ولا تُقبَلُ شهادته، ولا يُثَقُ بمواعيده وعهوده.
وينقسمُ الكذِبُ إلى ثلاثَةِ أقسامٍ: أولها:* الكذب على الله سبحانه، وهو أقبح أنواع الكذب، إذ لا داعي للكذب على الله، فضلا عن الجرأة العظيمة في ذلك، لأن الله يعلم سِرَّه وجَهره، وباطنه وظاهره، وما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، ويكون الكذب على الله بأن ينسب إليه تعالى قولاً باطلاً، أو آية وليست بآية، أو يُحلِّلُ ما حرَّمه الله، أو يُحَرِّمُ ما أحلَّه.
وقد عَدَّت الشريعة المقدسة الكذب على الله من المُفَطِّرات، والكذب على الله كثير في هذه الأيام للأسف، وقد تَوَعَّد الله من يكذب عليه بالفضيحة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، قال تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴿116﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" ﴿117/ النحل﴾*.
الثاني:* الكذب على المعصومين، والمراد بهم الأنبياء سيما خاتمهم وسيدهم رسول الله محمد (ص) والأئمة من آل بيته الأطهار (ع)، وهو شديد الشَّناعة والقُبحِ، وذَنبٌ عظيم، وقد عدَّته الشريعة من المُفَطِّرات، وذلك بأن ينسب الشخص الأحاديث الباطلة إليهم، وقد كثر هذا النوع من الكذب ماضياً وحاضراً، حتى أن رسول الله (ص) شكى من كثرة الكذَّابة عليه فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ (ص) عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ اَلْكَذَّابَةُ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ اَلنَّارِ ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ"*>
فكم من أحاديث اختلقها الكذّابون والوَضَّاعون ودَسُّوها في كُتُبِ المسلمين ولا زالت إلى يومنا تتردَّد على أَلسِنَة البعض منهم وهم لا يدرون أنها مكذوبة، واليوم تنتشر الكثير من الأحاديث في وسائل التواصل وتُنْسَبُ إلى النبي والأئمة رغم ركاكتها وضعفها، ويسارع الناس في نشرها دون تثبت من صحتها.
الثالث: الكذب على الناس في أمور الدنيا وغير ذلك، وهو شنيع وقبيح، وذو نتائج خطيرة وهدّامة، فإن المجتمع الذي يكثر فيه الكذب تتقطع روابطه، وتنفصِم عُراه، حتى لا يثق أحد بأحد، ولا يطمئن أحد إلى أحد، وبأسف أقول: إن هذا النوع من الكذب كثير جداً والكذَّابون من هذا النوع لا يُحصى لهم عدد، وأكثر ما نجده بين السياسيين والإعلاميين ويلحق بهم كثير من التجار إلا من عصم الله، حتى أنهم يعتبرون أن السياسية فَنٌّ يقوم على الكذب، فما أسهل أن يكذبوا ويختلقوا أموراً لا وجود لها.
إن قيمة الحديث تتأتى من الصدق فيه، فإذا كان كاذباً أو اكتنفه الكذب فقد قيمته، فهب أن أحدا يثني عليك كاذباً، وأنت تعلم أنه كاذب إن ثناءه يصير ذمّاً عندك، وهب أن أحدا ينقل إليك خبراً وأنت تعلم أنه كاذب فإنه يسقط من عينك. وإذا فإن آفة الحديث الكذب.
بقلم الكاتب والباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي