ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "آفَةُ الْعامَّةِ الْعالِمُ الْفاجِرُ".
لا دور يُضاهي دور العلماء إلا دور الأمراء، بل الحق أن دور العلماء أهم وأخطر من دور الأمراء، فإذا كان الأمراء يسوسون دنيا الناس ويدبرون شؤونهم فيها، فإن دور العلماء سياسة دنيا الناس وآخرتهم.
وإذا كان الأمراء حكاماً على الناس فإن العلماء حكام على الناس والأمراء، فإذا انقلب الأمر وصار الأمراء حكاماً عليهم فصيروهم أداة في أيديهم يفتون وفق رغباتهم، فيحلون لهم حرام الله ويحرمون لهم حلاله صاروا علماء جَورٍ وفُجور، وتلك آفة تقضي على دين الناس ودنياهم وآخرتهم.
وقد قالَ رَسولُ اللّهِ (ص): "صِنفانِ مِن اُمَّتي إذا صَلُحا صَلُحَت اُمَّتي، وإذا فَسَدا فَسَدَت اُمَّتي. قيلَ: يا رَسولَ اللّهِ، ومَن هُما؟ قالَ: الفُقَهاءُ وَالأُمَراءُ".
من هو العالم الفاجر؟
كي نعرف من هو لا بد أن نعرف معنى الفجور، والفجور هو الفِسقُ، وقالوا: الفُجُور: هو هيئةٌ حاصلةٌ للنَّفس بها يُـبَاشر أموراً على خلاف الشَّرع والمروءة. وقيل: الفُجُور بمعنى: الانبعاث في المعاصي والتوسُّع فيها. وقيل: الفُجُور: الميْلُ عن الحقِّ إلى الباطل. وقيل: الفُجُور: اسم جامع لكلِّ شرٍّ، أي: الميْل إلى الفساد، والانطلاق إلى المعاصي.
وذكر العلماء فرقاً بين الفسق والفجور، فمعنى الفسق في المصطلح الشرعي هو خروج الإنسان عن حدود الشرع وانتهاك قوانينه بالسيئات وارتكاب المحرمات، والفُجُور: الانبعاث في المعاصي والتَّوسُّع فيها.
إذا عرفنا ذلك، عرفنا خطورة العالم الفاجر المُتهتِّك الذي لا يرعوي عن فعل الحرام وارتكاب المعاصي والموبقات، فبدل أن يكون داعياً إلى الهدى يصير داعياً إلى الضلال، وبدل أن يكون داعياً إلى الحق يصير داعياً إلى الباطل، وبدل أن يحمل الناس على الطاعة لله والالتزام بتكاليفه، يحملهم على الفِسقِ والفجور.
العالم الفاجر يبعد الناس عن الحق، وينفِّرهم من الدين، ويصدهم عن سبيل الله، فهو شيطان في صورة إنسان، ينطق بالقرآن ويعمل خلافه، ويتَّخذ من علمه أداة إضلال وهدم، فيكون أخطر على الناس من إبليس نفسه، فلا يبقى لمواعظه أَثَرٌ في النفوس، وقد جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا".
وقد حَذَّرت الروايات الشريفة من العالم الفاجر الذي لا يُؤمَنُ جانبُهُ، ودعت إلى عدم الوُثوق به، بل إلى النُّفور منه، واعتبرته من أهم ما يمكن أن تبتلى به الأمة، واعتبرته من سهام الشيطان، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "قَطَعَ ظَهري رَجُلانِ مِنَ الدّنيا: رَجُلٌ عَليمُ اللِّسانِ فاسِقٌ، ورَجُلٌ جاهِلُ القَلبِ ناسِكٌ، هذا يَصُدُّ بِلِسانِهِ عَن فِسقِهِ، وهذا بِنُسُكِهِ عَن جَهلِهِ، فَاتَّقوا الفاسِقَ مِنَ العُلَماءِ، والجاهِلَ مِنَ المُتَعَبِّدينَ، أُولئكَ فِتنَةُ كُلِّ مَفتونٍ، فإنّي سَمِعتُ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقولُ: يا عَلِيُّ، هَلاكُ اُمَّتي عَلى يَدَي (كُلِّ) مُنافِقٍ عَليمِ اللِّسانِ".
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي