ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

رؤية الامام علي(ع) وموقفه من الوطن

18:12 - August 25, 2023
رمز الخبر: 3492457
بيروت ـ إکنا: إن الوطن كلمة لها في النفس الإنسانية وقع غير عادي، وتأثير عاطفي عظيم، تتأثر النفس بها كما تتأثر بكلمتي (أم، وأب) الكلمات الثلاثة فيها معنى الانتماء، والسَّكَن، والسكينة، والأُنس، والاحتضان، والأمان، والشعور بالقوة والعِزَّة والمِنْعة والحماية، والعلاقة النفسية مع هذه الكلمات هي من أعمق وأوطد العلاقات.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَيْسَ بَلَدٌ بِأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَدٍ، خَيْرُ الْبِلَادِ مَا حَمَلَكَ".

*الوطن*، كلمة لها في النفس الإنسانية وقع غير عادي، وتأثير عاطفي عظيم، تتأثر النفس بها كما تتأثر بكلمتي (أم، وأب) الكلمات الثلاثة فيها معنى الانتماء، والسَّكَن، والسكينة، والأُنس، والاحتضان، والأمان، والشعور بالقوة والعِزَّة والمِنْعة والحماية، والعلاقة النفسية مع هذه الكلمات هي من أعمق وأوطد العلاقات، وهي بحق كذلك، فالوطن أم، إليه ينتمي المرء، وفي كنفه يعيش ويحيا، ومن ترابه يأكل، ومن مائه يروى، ومن هوائه يتنفس، وأين ذهب أو ذهبت به الأقدار قد ينسى أشياء وأموراً كثيرة لكنه لا ينسى وطنه، ولا يشتاق المرء لشيء كما يشتاق إلى الوطن، ويفضِّل وطنه الذي ولد وترعرع فيه ولعب في أفنيته حتى وإن كان أرضاً قفراً، يفضله على سائر بقاع الأرض حتى وإن كانت أجمل البقاع وأوفرها أرزاقاً وأهنأها عَيشاً. والأم وطن، وهي كما الأرض في علاقة الإنسان بها. والأب وطن، والثلاثة يشتركون في ذات المعنى، ويقدمون نفس العطاءات.

ورغم ذلك فقد يَضيق الوطن على المرء، قد يصير سجناً يحبس أنفاسه ويحبس حاضره ومستقبله، قد يصير قاتلاً يقتل طموحاته وآماله وأمانيه، وقد يضيق أكثر فلا يجد المرء فيه لقمة تُشبِعُه أو شربة ماء تسدُّ ظمأه، أو دواء يُخَفِّفُ آلامه، وقد لا يكتفي الوطن بذلك بل يزيد على الفقر والحاجة ذِلَّة ومَهانة للمقيم فيه، إن رَضِيَ أن يبقى في ربوعه صيَّره عبدا لحاجاته الأساسية الضرورية، واستزلمه للمتنفذين في الأمن والسياسة والدولة، وأكثر ما يسمح له أن يجُيد التملق والتزلف والمدح والثناء الكاذبين، وأن يكون من الهَمَج الرُّعاع  يتبع الناعق الذي ينعق لصالح هذا أو ذاك من الزعماء. 

والوطن هنا لم يعد الملاذ والحضن والكهف، ولا مهدا للأمان والاستقرار، بل صار نقيض الوطن بحق، صار طارداً لا مستقبلاً، ولاعِنا لا فاتحاً ذراعيه لبنيه، وبؤرة للبؤس والفقر والحاجة، ومَوطِناً للذل والهوان والقلق والتوتر. فإذا صار كذلك لم يعد له قيمة، صحيح أنه أرض الآباء والأجداد، وصحيح أنه جزء من نفس الإنسان، ولكن العيش فيه إذا لم يَعُد كريماً فماذا بقي منه؟!

قد يصبر الانسان على الجوع في الوطن، قد يصبر على العطش والمرض، قد يصرُّ على البقاء في وطن يجور عليه في مطعمه ومشربه فهذا أمر اختياري وليس جبرياً، ولكن قد لا يصبر على الذُّل والهَوان، والوطن الذي يُذِلُّ الإنسان ليس وطناً، الوطن هنا يصير لعنة على المرء.

وليس على المرء أن يُذعن لهذا، فإما أن يبذل قصارى جهده مع بقية مواطنيه لتغيير الواقع وبناء دولة تصنع لشعبها وطنا يحمِل أبنائه، ويحميهم، ويُعِزُّهم، ويوفر لهم العيش الكريم، أو أن يختار وطناً آخر، إن الوطن الذي يهان فيه الإنسان ليس بأحق به من وطن يُكرمه ويحترمه ويوفر له الحياة الإنسانية الكريمة. إذْ "لَيْسَ بَلَدٌ بِأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَدٍ، خَيْرُ الْبِلَادِ مَا حَمَلَكَ".

ما سبق ليس فيه دعوة إلى الهجرة من وطن يقسو على أبنائه، والوطن لا يقسو، أرض هذا الوطن وسماؤه وترابه وماؤه وشجره وطبيعته هؤلاء جميعاً لا يقسون، هؤلاء رحماء لُطَفاء، إنما المتحكِّمون في الوطن هم القساة الجُفاة الظلمة الطغاة اللؤماء الخبثاء، ولما كان الوطن نفسه قطعة من قلب كل واحد منا، وكان من الصعب أن نختار عليه وطنا آخر، وجب علينا أن نحفظه ممن يستبد به وبأهله. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

کلمات دلیلیة: جواهر علوية ، الوطن ، الامام علي
captcha