ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

خير الأمور أوسطها في حكم العقل والشرع

14:33 - August 28, 2023
رمز الخبر: 3492497
بيروت ـ إکنا: الاقتصاد لايعني أن تُضيَّق على نفسك، أو تنفق أقل مما تحتاج، ولايعني ألا تستمع بما أعطاك الله ووهبك وأفاض عليك من رزقه، فما خلق الله الدنيا إلا لنوعك الإنساني وأنت فرد من أفراد هذا النوع، وما حرَّم عليك أن تستفيد مما أوجده في الأرض من خيرات وثروات، الاقتصاد يعني أن تنفق قَدْرَ ما تحتاج ولا تتجاوز الحَدَّين حَدَّ الإسراف والتبذير، وحَدَّ البُخل والشُّحِّ والتقتير.

ورُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: "خُذِ الْقَصْدَ فِي الأمُورِ فَمَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَنُ".

واقتصد، ثم اقتصد، ثم اقتصد، لا تُسرف ولا تبذر، ولا تبخل ولا تقتر، ليكن إنفاقك قَواماً بين الاثنين، الطرفان مذمومان والوسط ممدوح، وخير الأمور أوسطها في حكم العقل والشرع، والاقتصاد لا يعني أن تُضيَّق على نفسك، أو تنفق أقل مما تحتاج، ولا يعني ألا تستمع بما أعطاك الله ووهبك وأفاض عليك من رزقه، فما خلق الله الدنيا إلا لنوعك الإنساني وأنت فرد من أفراد هذا النوع، وما حرَّم عليك أن تستفيد مما أوجده في الأرض من خيرات وثروات، الاقتصاد يعني أن تنفق قَدْرَ ما تحتاج ولا تتجاوز الحَدَّين حَدَّ الإسراف والتبذير، وحَدَّ البُخل والشُّحِّ والتقتير.

إن من طبيعة البشر أنهم إذا وَسَّع الله عليهم في الرزق بالغوا في النفقة بما يصل بهم إلى حد الإسراف. وقد بيَّن الله عز وجل أن هذه هي طبيعة الإنسان، فقال: "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ "﴿الشورى/27﴾*.

إن الله الخالق الخبير الحكيم يعلم أن البشر لا يُطيقون الغِنى إلا بِقَدْر مُقَدَّر، ويعلم أنه لو بسط لهم في الرزق فإنهم يبغون ويطغون ويتجاوزون كل الحدود، وينفقون منه دون توازن واعتدال، وغالباً ما ينفقونه على شهواتهم وملذاتهم، بل قد ينفقونه لا لشيء لمجرد الإنفاق، بل غالباً ما ينفقونه في الطغيان والظلم، لذلك يُقَدِّرُ أرزاقهم ويَقْدِرُها، ويجعل أمرها تبعاً لمشيئته لا تبعاً لمشيئتهم فيعطيهم بِقَدْر ما يُطيقون، فإن أجادوا التصرف في الرزق وحفظوه وأنفقوه فيما يجب وبالقَدْرِ الذي يجب زادهم، وإن هم أسرفوا فيه وبُذَّروا منعه عنهم. 


لا تقل قارئي الكريم: كيف ينسجم ما قلتَه آنفاً مع ما نراه من سَعَة ما في أيدي الطُّغاة والظالمين والمستكبرين؟ لأني أجيبك: أن الذي نراه هو بذاته عقوبة لهم ولسواهم، ألا ترى أن الطغيان العالمي اليوم يمسك بثروات الأرض، ويتصارع مع غيره من الطغاة على الباقي؟! ألا ترى أن أزمات العالم الاقتصادية تعصِف بالعالم وتتسبب بالحروب والمآسي التي لم ولن تتوقف ما دام الطغاة يبخلون بما في أيديهم عن المحتاجين، أو ينفقونه على شهواتهم السلطوية. ولا ينكر أحد أن إنسان اليوم يبدد الثروات ويهدر الطاقات بِنَهَم غير مسبوق في كل شيء، وإفراط في الاستهلاك.

لذلك نجد الشريعة الإسلامية السمحاء التي أتت بكل ما يصلح به حال الناس ويرغد عيشهم، نجدها قد أمرت بالقصد في الأمور كلها، سيما في الإنفاق، فدعتهم إلى الاعتدال والتوسط بين آفتين خطيرتين هما التقتير والتبذير، والبخل والإسراف، في الوقت الذي أباحت لهم الانتفاع بالطيبات، ودعتهم إلى التوسعة على أنفسهم وعيالهم بل وعلى الناس، قال تعالى: "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا"﴿الإسراء/ 29﴾ وقال تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" ﴿الأعراف/ 32﴾. 

وفي جوهرته الكريمة يدعونا الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى أن نجعل من القصد مَنهجاً ننهجه في جميع أمورنا، ونكون وسطاً في كل شيء دون إفراط وتفريط، فبه تكون النجاة ويكون الفلاح وهو واحد من الأسباب المهمة للنجاح والاستغناء عن الغير وتجنَّب الحاجة والفقر.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha