ورُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: "خُذِ الْقَصْدَ فِي الأمُورِ فَمَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَنُ".
واقتصد، ثم اقتصد، ثم اقتصد، لا تُسرف ولا تبذر، ولا تبخل ولا تقتر، ليكن إنفاقك قَواماً بين الاثنين، الطرفان مذمومان والوسط ممدوح، وخير الأمور أوسطها في حكم العقل والشرع، والاقتصاد لا يعني أن تُضيَّق على نفسك، أو تنفق أقل مما تحتاج، ولا يعني ألا تستمع بما أعطاك الله ووهبك وأفاض عليك من رزقه، فما خلق الله الدنيا إلا لنوعك الإنساني وأنت فرد من أفراد هذا النوع، وما حرَّم عليك أن تستفيد مما أوجده في الأرض من خيرات وثروات، الاقتصاد يعني أن تنفق قَدْرَ ما تحتاج ولا تتجاوز الحَدَّين حَدَّ الإسراف والتبذير، وحَدَّ البُخل والشُّحِّ والتقتير.
إن من طبيعة البشر أنهم إذا وَسَّع الله عليهم في الرزق بالغوا في النفقة بما يصل بهم إلى حد الإسراف. وقد بيَّن الله عز وجل أن هذه هي طبيعة الإنسان، فقال: "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ "﴿الشورى/27﴾*.
إن الله الخالق الخبير الحكيم يعلم أن البشر لا يُطيقون الغِنى إلا بِقَدْر مُقَدَّر، ويعلم أنه لو بسط لهم في الرزق فإنهم يبغون ويطغون ويتجاوزون كل الحدود، وينفقون منه دون توازن واعتدال، وغالباً ما ينفقونه على شهواتهم وملذاتهم، بل قد ينفقونه لا لشيء لمجرد الإنفاق، بل غالباً ما ينفقونه في الطغيان والظلم، لذلك يُقَدِّرُ أرزاقهم ويَقْدِرُها، ويجعل أمرها تبعاً لمشيئته لا تبعاً لمشيئتهم فيعطيهم بِقَدْر ما يُطيقون، فإن أجادوا التصرف في الرزق وحفظوه وأنفقوه فيما يجب وبالقَدْرِ الذي يجب زادهم، وإن هم أسرفوا فيه وبُذَّروا منعه عنهم.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: