
وروِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "شَتّانَ بَيْنَ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقى تَبِعَتُهُ، وَبَيْنَ عَمَلٍ تَذْهَبُ مَؤُنَتُهُ وَتَبْقى مَثُوبَتُهُ"
الفرق كبير والبَونُ شاسِعٌ بين عمَلَين:
عملٌ تلتَذُّ به لذَّة حاضرة عابرة سريعاً ما تنقضي وتذهب، ثم تتجرَّع غصَّة تبعاته التي تدوم وتبقى، تقارنك حتى يوم الحساب بعد أن تقوم قيامتُك وتقف بين يدي ربِّك، ثم تُرديك في دَرَكات الشَّقاء.
وعملٌ قد يُتعِبُك، وقد يكون شاقاً عليك، وأثمانه المادية باهظة، وقد تحتاج معه إلى الصبر وتحَمِّل المعاناة، وقد تضطَرُّ وأنت تعمله أن تواجه المُشكّكين، والمُثَبِّطين، والمُكذِّبين، والنَّاقمين، والحاسدين، ولكنك تقطف بعد كل تلك المعاناة ثمراً جَنيّا وراحة دائمة، وسعادة في دنياك وفي آخرتك، وهي دار البقاء والخلود.
في هذه الجوهرة الكريمة يُقدِّم لنا الإمام أمير المؤمنين (ع) قاعدة عظيمة وضرورية للنجاح والفلاح، على أساسها يجب أن تقوم كل أعمالنا، ومعياراً نميِّز به بين ما يجب أو يُباح لنا أن نعمَلَه وما يجب أن نجتنبه، وهي قاعدة عقلائية يعتمدوها في مجمل حياتهم، والالتزام بها يكون على الشكل الآتي: كل عمل قد نلتذ به لذة حاضرة لكن عواقبه وخيمة فيجب اجتنابه. وكل عمل قد يكون شاقاً لكنه يؤدي بنا إلى خيرٍ ومَثوبة فيجب أو يُباح لنا أن نفعله، وبكلمة أخرى: يجب أن ينصَبَّ اهتمامنا على عواقِب الأعمال ونتائجها وآثارها، فما كانت عاقبته حَسَنَة نعمله، فهو خيرٌ وإن كان فيه تعب ومشقة، وما كانت عاقبته سيئة نجتنبه، لأنه شَرٌّ وإن كان فيه لَذَّة ونشوة.
والنهوض الباكر إلى الصلاة قد يزعِجُ مَن يُحِبُّ النوم، وترك العمل وقت الظهيرة لأداء الصلاة قد يشُقُّ على العامل، والصِّيام في أشهر الصيف الطويلة قد يكون متعباً للصائم، وأداء الزكاة قد يكون صعباً على النفس، والنفس تتعامل مع المال كأنه الروح في البدن، والجhاد في سبيل الله فيه تعب وجِراح وقد ينتهي بالمجاhد إلى الشhادة، واجتناب ما حرَّم الله قد يُشعِرُ المَرَءَ بأنه ممنوع مِمّا يلتذ به، لكن جميع تلك المَتاعب تذهب وتُنسى وتؤول به إلى الجنان الواسعة، والظلال الوارفة، وما لا عين رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، زد على ذلك رضوان من الله أكبر. فهذا هو الخير بعينه، ولا خير فوقه.
والسَّرقة قد تملأ جيوب السَّارق بالمال الذي يحب أن يستزيد منه، والزِّنا قد يُشبع شهوته الجنسية لساعة أو ساعتين، والغِيبة والنَّميمة والبُهتان والكَذب والنِّفاق وارتكاب الفواحش، وأكل المال الحرام والطعام والشراب الحرام قد يحقق له كل ذلك ما يشتهي، ولكن لذّاته تذهب أدراج الرياح، تذهب كأنها لم تكُ من أصل، وتبقى تبعاته فترديه في النار، وتجلب إليه غضب الجبّار، وهذا هو الشَّرُّ بذاته ولا شَرَّ يعدوه.
وقد صاغ الإمام أمير المؤمنين (ع) هذه القاعدة بكلام آخر جاء فيه: "مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ، وَمَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ، وَكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ، وَكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ".
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: