ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مكافأة الإحسان بالإحسان خُلُق إنساني رفيع

21:07 - January 02, 2024
رمز الخبر: 3494040
بيروت ـ إکنا: مكافأة الإحسان بالإحسان، والجميل بالجميل، والخير بالخير، والمودة بالمودة، والاحترام بالاحترام، خُلُق إنساني رفيع، لا يناقش فيه جاهل فضلاً عن العاقل، لأنه أمرٌ مركوز في طبع الإنسان

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "شَرُّ النّاسِ مَنْ كافَأَ عَلى الْجَميلِ بِالْقَبيحِ".

مكافأة الإحسان بالإحسان، والجميل بالجميل، والخير بالخير، والمودة بالمودة، والاحترام بالاحترام، خُلُق إنساني رفيع، لا يناقش فيه جاهل فضلاً عن العاقل، لأنه أمرٌ مركوز في طبع الإنسان، وهو مِمّا يأمر العقل به، وهذا ما نبَّهنا إليه الله تعالى في محكم كتابه إذ قال: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" ﴿الرحمن/ 60﴾.


فقد أرشدنا الله تعالى في هذه الآية الكريمة إلى ذلك الحكم العقلي المُهِم، فجاء بهذا الاستفهام الإنكاري في مقام تعليله مجازاة المحسنين بالإحسان، وأرسى بذلك قاعدة عظيمة فيما ينبغي أن تكون عليه أُسُسُ التعامل بين الناس في حياتهم الدنيوية، فإذا كان الله تعالى وهو صاحب الفضل كله، والإنعام كله، والخير كله، وهو الذي يبتدئ عباده بالرزق والرحمة والإحسان، إذا كان يكافئ إحسانهم إلى أنفسهم بمزيد من الإحسان إليهم، إذْ هو الغَنِيُّ عنهم وعن عبادتهم وإحسانهم، فحَرِيٌ بالإنسان أن يكافئ أخاه الإنسان بالإحسان إليه، وأن يَرُدّ إليه جميلَه، ويشكره على حُسْنِ صنيعه إليه، وكلاهما مستفيد من الإحسان إلى أخيه. وهذا نوع من الجزاء، والجزاء لا بد وأن يكون من جنس العمل، إحسان بإحسان، وجميل بجميل، فالآية تدل على وجوب ذلك. فلا يجوز أن يُقابَلَ الإحسان بالتجاهل والتغافل، والأسوأ منه أن يقابَلَ بالنُّكران والجُحود، والأسوأ منهما أن يُقابَلَ بالقَبيح من الأفعال والأقوال.

وحكم العقل والآية عامّان، فالإحسان إلى المُحسِنِ لا يقتصر على المُؤمِنَين، بل يعُمُّ كل الناس مؤمنهم وكافرهم، فمَن أحسنَ إليك جازِهِ بالإحسان، مؤمناً كان أم كافِراً، وقد جاء في الخبر عن عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ (الصادق عليه السلام) يَقُولُ: "آيَةٌ فِي كِتَابِ اَللَّهِ مُسَجَّلَةٌ: قُلْتُ وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (هَلْ جَزَاءُ اَلْإِحْسٰانِ إِلاَّ اَلْإِحْسٰانُ) جَرَتْ فِي اَلْكَافِرِ وَاَلْمُؤْمِنِ وَاَلْبَرِّ وَاَلْفَاجِرِ، وَمَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَ بِهِ. وَلَيْسَ اَلْمُكَافَاةُ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ حَتَّى يُرَبَّى، فَإِنْ صَنَعْتَ كَمَا صَنَعَ كَانَ لَهُ اَلْفَضْلُ بِالاِبْتِدَاءِ".

والمُكافأة على الجميل بالجميل، ردُّ للجميل وتحرُّرٌ منه، ومجازاة الإحسان بالإحسان عِتْقُ لمن أُحْسِنَ إليه، فإن الإحسان يستعبد الإنسان فلا يتحرَّر إلا به، وإلى هذا نَبَّه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقَوله: "المُكافأةُ عِتقٌ" ورُوِيَ عن الإمام موسى الكاظِم (ع) أنه قال: "المَعروفُ غُلٌّ لا يَفُكُّهُ إلّا مُكافَأةٌ أو شُكرٌ" وهذا ما نشعر به عندما يُحسِنُ إلينا واحد من الناس، نشعر أننا مدينون له، وأن علينا أن نقابل جميله بالجميل كي نفك رقبتنا من ربقة ذلك الدين. 
 
هذا إن كُنّا بشراً أسوياء عُقلاء، أما إن كُنَّا مصابين في عقولنا، لئاماً جاحدين، فإننا نجحد الجميل وننُكره، وقد لا نكتفي بذلك بل نكافئ عليه بالقبيح والشَّرِّ، قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "عادَةُ اللِّئامِ المُكافأةُ بِالقَبيحِ عَنِ الإحسانِ" وفي هذا الفعل من الشناعة والقُبح الكثير، ولا تقتصر تداعياته على العلاقة بين المُحسِنِ والمُحسَنِ إليه، بل تتسع دائرتها إلى عموم المجتمع، ما يشكل اعتداءً على المجتمع نفسه، إن مكافأة الجميل بالقبيح يقتل الدافعية إلى الخير في الناس، ويصدُّهم عن المبادرة إليه، كما يقتل فيهم المروءة، والنجدة، والنَّخوة، والإيثار، والإحسان، والبِرَّ، وفعل الخير، ويُفشي الأنانية، والسلبية، والأثرة، لأن من طبع الإنسان أن يزيد اندفاعه إلى فعل الخير إذا ما تلقى الشكر على فعله، والمكافأة بالجميل على جميله، وإن كان الأصل في فعله التقرب به إلى الله، أو فعله لكونه حسناً.  

بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الشؤون القرآنية السيد بلال وهبي

captcha