
روِيَ عن
الإمام علِي (ع) أنه قال: "شاوِرْ قَبْلَ أَنْ تَعْزِمَ، وَفَكِّرْ قَبْلَ أَنْ تُقْدِمَ".
هذه وصية خالدة لو التزمنا بها لأَمْكننا أن نضمن النجاح في معظم أعمالنا، وهذا ما نطمح إليه نحن البشر، ليس فينا من يحبُّ الفشل، وكثير مِنَّا يُؤَثِّر الفشل في نظرتهم إلى أنفسهم وثقتهم بها، كما يُؤَثِّر في قرارتهم التاليه ورؤيتهم لمستقبلهم.
ولئن كان بعض الفشل أسبابه خارجة عن إرادتنا باعتبارنا لا نملك كل الأسباب، وليس لنا تأثير في المحتوم من الأقدار التي تؤثر بنا وبسوانا من الخلق، غير أن الكثير من الفشل نحن من يتسبب به، ومعظم تلك الأسباب يمكن إرجاعها إلى سببين اثنين:
الأول: اعْتِدادنا بعلمنا ومعرفتنا، واستبدادنا برأينا، واعتقادنا بعدم الحاجة إلى آراء الآخرين، واستشارة المتخصِّصِين، والاستفادة من تجارب المُجَرِّبين.
الثاني: تُسَرُّعنا في اتخاذ القرار، وعدم تفكُّرنا في كيفية إجراء الفعل، وفيما يحتاج إليه من أسباب وإمكانيات ووقت وسوى ذلك من الأمور التي لا يمكن أن يتم من دونها.
في هذا السياق تأتي جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع) لتؤكد على الاستشارة والتَّفَكُّر، وأنهما سببان رئيسيان من أسباب النجاح، ثم يُحَدِّدُ (ع) وقت كل منهما.
فالاستشارة تكون قبل العَزم على الفعل، والعزم يَلي الإرادة في المرتبة، فإن المَرء يريد الشيء ثم يعزم عليه، ثم يباشر به، وقد يريد ولا يعزم كمن يحب الحصول على أمر لكنه يعرف أن ذلك غير ممكن، فلا يعزم على الفعل، فالعزم هو الخطوة الأخيرة قبل المباشرة فيه، لذلك ينبغي للمرء قبل ذلك أن يستشير من يمكن استشارتهم من أهل الخبرة، والمعرفة، والتخصص، والنُّصح، والصدق، والثقة.
ولا يخفى على القارئ الكريم ما للإستشارة من فوائد في تصويب الرأي وتوجيه القرار، واستحضار ما غاب عن علم الشخص، فعقلان يفكران أفضل من عقل واحد وقرارهما أصوب، وثلاثة أفضل من اثنين، ولهذا لا تجد قائداً ولا رئيساً ولا رئيس شركة ولا شخصا في موقع من مواقع المسؤولية إلا ويعتمد على مستشارين موثوقين ناصحين، بل يوجد في العالم مئات الآلاف من المؤسسات المتخصصة في تقديم المشورة في هذا الصعيد أو ذاك.
ثم لا ينبغي أن يُكتَفى بالاستشارة بل لا بُدَّ من التَّفَكُّر الكافي في العمل الذي عزمتَ عليه قبل البَدء به، وإجالة النظر في مختلف شؤونه، ومقدماته، وشروطه، وضوابطه، ونتائجه، والهدف منه، ومتى يكون، وكيف يكون، كي تُقدِم على إنجازه وأنت عارف بكل ما له صلة به معرفة تفصيلية كي تقدر على إنجازه بتمامه وكماله، وبإتقان.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: