ایکنا

IQNA

نبوءة بني إسرائيل "بين الرحمة والعودة"

19:30 - July 21, 2024
رمز الخبر: 3496238
بيروت ـ إكنا: إن هجرة القرآن كانت ولا تزال سببًا في غربتنا الثقافية، فلم نعد نفقه حقيقة المصطلح القرآني وجريانه في الحياة، ما أدى إلى أن تكون ثقافة الغرب ومصطلحاته هي السائدة بكل ما تنطوي عليه من تشويهات لصرف الأنظار عن فساد الحزبية الإسرائيلية وتشكّلاتها الدينية في عالمنا المعاصر.

نبوءة بني إسرائيلويسأل بعض الإخوة الأفاضل كيف يمكن لنا الجزم بحقيقة تتابع مراحل الهزيمة لبني إسرائيل، فهل هي متراخية في الزمن أم متلاحقة في حدوثها؛ وذلك بلحاظ كون النبوءة قد فصلت بين الوعدين بعطف التراخي "ثم".

وإذا كان التتبير والهلاك لعلوهم في الأرض واقع لا محالة، فلمَ ختمت الآيات بقوله تعالى:"عسى ربكم أن يرحمكم…وإن عدتم عدنا". وما هو سر التبّدل في اللفظ من شرطية"إذا" الجازمة فعلًا في الوعدين إلى شرطية"إن" المشككة والاحتمالية؟


لا شك في أنه بعد تبيان جملة المواقف التي نرى أن النبوءة تعرض لها سواء من حيث المضمون أو من حيث الدلالة، فقد يكون ممكناً الاختصار في الإجابة لتكون على الشكل الآتي، فنقول: إن الآيات المباركة جاءت بعطف الترتيب والتراخي في الزمن بين الوعدين لفائدة أن الكرَّة لبني إسرائيل في تاريخنا الإسلامي لم تكن كرَّة واحدة بل تنوّعت وتعاقبت من خلال تأثيراتها الدينية والسياسية وردات فعلها الانتقامية على الإسلام والمسلمين؛ وهذا ما أدى بالأمة إلى أن تكون على شر دين، وفي شر دار لكثرة ما لحق بها من هوان وخسران في الدين والدنيا بدلالة أن أحزابها قد أورثتها المهالك، وألحقتها بأحزاب بني إسرائيل!

فعادت الجاهلية أدراجها،كأن لا نبيًا جاء، ولا وحيًا نزل! وهذا ما نبأتنا به الأحاديث والمرويات،كما قال الرسول(ص):"كيف بكم إذا تداعت الأمم عليكم…"،وقوله(ص):"لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض…"،إلى غير ذلك مما أحدثته الكرَّة الحزبية لبني إسرائيل في دين المسلمين وواقعهم بعد أن استوى على الدين غير أهله، وتحوّل كل شيء عن أصله! فعاد الإسلام غريبًا كما بدأ غريباً بما أحدثه المسلمون لأنفسهم من تحولات سلبية في الدين والسياسة!

فحق قول الرسول(ص) فيهم:"لو دخل بنو إسرائيل جحر ضب لدخلتموه…!؟"وحتى لا نوغل في التاريخ، وفي تعاقب تحالفات الحزبية المقيتة، يكفينا أن نستمع اليوم لما يتردد الكلام فيه،أن بني إسرائيل لهم الحق في التعويض عما خسروه في الجغرافيا والتاريخ! وربما العودة إلى حيث كان محط رحالهم تاريخياً! فلبئس الأمة التي تقبل الهوان إلى حد الموت والفناء!؟هذا أولًا.

ثانياً: لم يتحدث وعد الآخرة عن تراخٍ في مراحل الهزيمة لبني إسرائيل،ما يدلل على أنها متلاحقة وذلك إنما يمكن استفادته مما توفر عليه أهل البعث من شروط ومواصفات أهّلتهم لمتابعة الجهاد لتحقيق النصر.

فإذا قلنا بالتراخي الزمني لتعاقب الأحداث، فلا يؤمن مع ذلك أن يترهل العباد،أو أن تتبّدل الظروف والمعطيات،فيكون المآل إلى مزيد من الأزمات في اللحظات الجهادية الحرجة!ولم يعهد من جهاد النبي(ص) وأصحابه أنهم وهنوا أو ضعفوا في مواجهة الإفساد الإسرائيلي في المدينة حينما انقلبوا على كل المواثيق، وأفشلوا التجربة الرائدة في التحالف السياسي والتنوع الديني، والتي اصطلح على تسميتها بدستور المدينة! إن بعث العباد وإيمانهم الراسخ،وبأسهم الشديد،كله يمكن استظهاره من تتابع المراحل في وعد الإخرة،تمامًا كما جرى مع رسول الله(ص) في صراعه مع الذين كفروا من بني إسرائيل، فهم لم يعطوا فرصةً للتآمر والإعداد وإقامة التحالفات،وآخر ذلك كان التتبير في غزوة خيبر وما رافقها من جوس لخلال الديار،ولعله من أعظم الدروس المستفادة من البعث الأول،هو أن الرسول(ص) بعد معاهدة"صلح الحديبية"مع قريش،حاولت أحزاب بني إسرائيل في خيبر تخريب الجو السلمي بالتدخل المباشر مع أجلاف قريش لإفشال الصلح! وقبل أن يتمكنوا من ذلك عزم الرسول(ص) على حربهم فقفل عائداً من المدينة مع الجيش الإسلامي، فغزا خيبر ممهداً الطريق لفتح مكة في العام الثامن من الهجرة.

وهكذا هو حال عباد الله دائماً أنهم يسارعون في الجهاد،كما يسارعون في فعل الخيرات. فإذا سلمنا ببعث العباد، فلننتظر تتابع الأحداث إلى أن يتم دخول المسجد المبارك بكل ما يعنيه هذا الدخول من تهيئة وإعداد وهداية،وقبل ذلك كله،تسلّم خليفة الله تعالى مقاليد الأمور،لأن القائد الإلهي كان وسيبقى من أهم شروط تحقق البعث للعباد.وهنا نكون قد دخلنا في مرحلة جديدة من الصراع لا يمكن التنبؤ بنتائجها وتحولاتها،لكون الأمر يخرج في حينه عن أن يكون بشرياً ليكون أمراً إلهياً صادعاً لا تطال أنواره وأحكامه وأحداثه الأمة الإسلامية وفلسطين فحسب،وإنما تتجاوز ذلك إلى العالم كله..!

ثالثاً: أما سؤالكم إخواني عن معنى قوله تعالى:"عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا.."،وتبّدل الشرط من الجزم إلى الاحتمال، فيجاب عنه مما رسّخه الإسلام من مباديء وتعاليم وأحكام، ومما هدى إليه من سنن،إذ نعلم جميعًا أن سنن الاستئصال لا تعمل في الأمة الإسلامية وعالم المهدوية! فإذا كان التتبير لحضارة الفساد الإسرائيلي يكرّس حجية الإسلام وظهوره ،حجةً وحاجةً،للأمم بقيادة الإمام(ع)،فليس معنى ذلك أن الهلاك يطال بني إسرائيل قاطبة،بل هو يُنهي حالة الإفساد والقدرة على فعله،بحيث تبقى لبني إسرائيل حرية الموقف والخيار؛فيرحمون،وعسى من الله تعالى واجبة.

وبما أن هؤلاء القوم بني إسرائيل يشكلون واقعًا، ويُثيرون تحدّيات، ويبعثون على القلق في حدود ما تسنح لهم الفرص للإفساد، فقد جاءهم التحذير الإلهي بأنهم لن يبلغوا بعد اليوم شأوًا،ولا علوًا،وعلى فرض أنهم عادوا،فإن البعث عليهم محقق حتماً لحاكمية الحق،وفاعلية السنن، وهذا هو سر التبّدل في أداة الشرط،إذ لم تعد لهم إمكانية العلو في الأرض والإفساد فيها، فجاء بالشرطية المشككة بعد أن كان الشرط بالجزم واليقين.

يبقى أن نقول: إن هجرة القرآن الكريم كانت ولا تزال سببًا في غربتنا الثقافية، فلم نعد نفقه حقيقة المصطلح القرآني وجريانه في الحياة، ما أدى إلى أن تكون ثقافة الغرب ومصطلحاته هي السائدة بكل ما تنطوي عليه من تشويهات لصرف الأنظار عن فساد الحزبية الإسرائيلية وتشكّلاتها الدينية في عالمنا المعاصر.والسلام.

بقلم الأكاديمي اللبناني والباحث في الدراسات القرآنية "فرح موسى"

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha