ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ وَثِقَ بِاللَّهِ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ

22:00 - March 29, 2025
رمز الخبر: 3499550
بيروت ـ إکنا: ما من شَكٍّ في أن من أهم مناشيء التوكُّل على الله اليقين بالله، واليقين بالله ينشأ من المعرفة اليقينية بالله، ومعرفة الله تعالى تنشأ من التفكر في خلق الله وآيات الله التي لا تعد ولا تحصى في الكون وفي الأنفس

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ وَثِقَ بِاللَّهِ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ".
 
معادلة تربط بين الثقة بالله تعالى والتوكُّل عليه، والتوكُّل على الله من أعظم الصفات الأخلاقية، بل من أعظم المقويات المعنوية والروحية، والتي تترك أثاراً عظيمة في نفس الإنسان وفي أدائه في الحياة، ولها تأثير حاسم على نجاحه في مواجهة التحديات والصعوبات وتخطي الأزمات، فالحياة لا يمكن أن تخلو من ذلك، والمرء لا يمكنه بذاته أن يواجهها إلا بالاعتماد على قُوّة قاهرة غالبة حكيمة تمنحه القوة والثبات.

لقد سبق أن عالجنا هذه الصفة الإيمانية المهمة (التوكُّل) في أكثر من مقالة، ولكننا اليوم سنعالجها من زاوية أخرى، من زاوية المنشأ الذي ينشأ التوكُّل منه، وهو معرفة الله تعالى والثقة به.

إقرأ أيضاً

وما من شَكٍّ في أن من أهم مناشيء التوكُّل على الله اليقين بالله، واليقين بالله ينشأ من المعرفة اليقينية بالله، ومعرفة الله تعالى تنشأ من التفكر في خلق الله وآيات الله التي لا تعد ولا تحصى في الكون وفي الأنفس. 
 
فمن أيقن أن الله تعالى مالك الأسباب كلها، بيده ملكوت السماوات والأرض، والحياة والموت، وأنه العليم بكل شيء، والقادر على كل شيء، والذي لا يُعجزه شيء، وأنه يعلم مصلحة عبده الواقعية، ولا يريد له إلا الخير، وكما قال سبحانه: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿26﴾ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿آل عمران: 27﴾.

فمن يكن على يقين مِمّا سبق فمن المؤكد أن يعتمد على الله تعالى اعتماداً مطلقاً، وهذا ما دلَّت عليه الروايات الشريفة، حيث أجمعت كلها على أن اليقين هو المنشأ الذي ينشأ التوكل منه، وإليك بعضها:

رُوِيَ عن الإمام علي (ع) أنه قال: "التَّوكُّلُ مِن قُوَّةِ اليَقينِ". "إنّ حُسنَ التَّوكُّلِ لَمِن صِدقِ الإيقانِ". "أقوَى النّاسِ إيماناً أكثَرُهُم تَوَكُّلاً علَى اللَّهِ سبحانَهُ". "حُسنُ تَوكُّلِ العَبدِ علَى اللَّهِ على‏ قَدرِ ثِقَتِهِ بهِ".
 
نسنتنج مِمّا سلف من آيات وروايات أن عدم التوكل لا يكشف عن عدم اليقين وحسب، بل يكشف عن ضعف الإيمان أيضاً، وهذا ما نبَّه إليه الإمام الصادق (ع) بقوله: "ثِقْ باللَّهِ تَكُن مُؤمِناً" 
 
ونقل لنا القرآن الكريم الردَّ الدائم لرسُلِ الله (ع) على المكذبين والمعاندين الذين كانوا يرفضون دعوتهم: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴿11﴾ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴿إبراهيم: 12﴾ فنلاحظ تلك الطمأنينة العميقة التي كانت في قلوبهم الشريفة، وذلك اليقين الحقيقي بالحق الذي هم عليه، واليقين العميق برعاية الله وتأييده ونصره وتسديده لهم، ومِمّا لا شَكَّ فيه أن القلب الذي يملؤه اليقين لا تهزُّه الرياح العاتية، ولا تنال منه زلازل الأرض كلها، ولا يخاف ولو احتشد عليه كل من خلق الله، والقلب الموصول دائماً بالله يحسُّ أن يَد الله تعالى تقود خطاه، وتهديه السبيل، ومعه لا يكون قلق، ولا توتر، ولا خوف، بل ثبات، ورسوخ، ومُضِيٌ في الطريق، أياً تكن العقبات، وأياً تكن قوى الطاغوت التي تتربص في هذا الطريق.
 
هذه المعادلة، معادلة الارتباط بين الثقة بالله وبديهية التوكل عليه لا يستشعرها إلا القلب الموقن، والقلب الذي يقف في مواجهة الطغاة والظالمين والمعتدين، ففي ميادين الصراع تظهر قدرة الله تعالى، وفي ميادين المواجهة مع الباطل يتجلّى تسديد الله لعبده، أما ذاك الشخص الخائف الذي يفضِّل السلامة والدَّعة على العمل والمواجهة فلن يشعر بذلك أبداً، لأن الله تعالى لا يسدّده في شيء.
 
إننا في مرحلة خطيرة من تاريخنا، جماعة ووَطناً وأُمّةً، احتشد فيها جميع طغاة الأرض على بسط نفوذهم علينا، مدججين بأحدث التكنولوجيا وأنواع الأسلحة، لكنهم مهما بلغوا من القوة فهم صغار صغار صغار أمام عظمة وقدرة الله وقاهرية الله، بل إنهم ليسوا شيئاً أمام جبروته تعالى، وإنهم ليمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين، الأمر الذي يوجب علينا أن نُحسِنَ التوكّل على الله والاعتماد المطلق عليه، نُعِدُ لهم ما نستطيع، ونترك الباقي لله يفعل ما يشاء، نؤدّي تكليفنا تجاه حاضرنا ومستقبلنا، ونترك النتائج لله تعالى.

إن ذلك يستلزم أن نعمِّق إيماننا بتعميق معرفتنا لله، كما يستلزم منا أن نعمق ارتباطنا به سبحانه بإدامة ذكرنا له.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
captcha